لا يعلم كثير من جيل اليوم بطولات وأساطير حقيقية عاشها شباب جزائريون في ثورة التحرير العظيمة، تصلح كلّها لأن تكون أفلاما تنافس "السناريوهات الخيالية" لبيت السينما العالمي "هوليود".
هنا قصة حقيقية عن هجومات 20 أوت 1955 بمنطقة الشمال القسنطيني يحكيها مجاهد يبلغ من العمر اليوم 88 عاما، قصته هو واثنين من إخوته جاهد كل بطريقته ضد فرنسا، أحدهم عاش تجربة رهيبة بين جثث الفرنسيين ثلاثة أيام كاملة.
بداية هجومات أوت 55 وقتل الفارّين..
يقول المجاهد رمضان لفتيسي من سكيكدة، وهو الشقيق المتبقي من المجاهدين الثلاثة “كنّا ثلاثة مجاهدين ضد فرنسا، وكان عمري وقتها لا يتجاوز 26 سنة، عملت تحت قيادة المجاهد لصبع زيدان لتغطية منطقة الحدائق بالمكان الذي كانت تتواجد فيه مدرسة الفلاحة آنذاك (جامعة 20 أوت 1955 حاليا)”.
ويضيف المجاهد “كُلفت وزملائي بقتل الفارين من الجنود الفرنسيين على اعتبار أن منطقة الحدائق هي بالمخرج الجنوبي لمدينة سكيكدة، ويتذكر أن هجومات 20 أوت 1955 قد انطلق منتصف النهار من يوم السبت، الذي كان يصادف يوم راحة للفرنسيين، وأثناء الهجوم أصيب صديقي المدعو بوزبرة في ظهره وأردت إسعافه لكن دورية لجيش الاحتلال لحقت بنا فأحرقت الزرع المحيط بنا لأمنع قوات العدو من التقدّم، وهو ما مكنني من إسعاف صديقي وحملته إلى غاية منطقة الزامال (بوشطاطة حاليا)”.
ثلاثة حيّا أيام بين الجثث
في نفس اليوم من 20 أوت 1955، يذكر المجاهد رمضان ما قام به شقيقه الشهيد صالح لفتيسي، الذي يكبره ببضع سنوات، حيث وضع قنبلة داخل مقهى وسط مدينة سكيكدة، ولما لم يستطع الهروب قبل انفجار القنبلة ظل لمدة ثلاثة أيام مرميا داخل المقهى وسط جثث الموتى من الفرنسيين دون أن يستطيع الجيش الفرنسي أن يكشف أمره.
وبعد ثلاثة أيام استطاع شقيقه الخروج من المقهى وتوجه بعدها إلى منزل خاله بالحي النابولي، حيث كانت والدته، إلا أن الجيش الفرنسي تفطن إليه وأراد اعتقاله، لكن خاله تدخل وأكد لهم أنه ليس مجاهدا وقد أتى فقط ليطمئن على والدته التي كانت تزور أخاها منذ بضعة أيام.
وذكر المجاهد رمضان أن شقيقه صالح استشهد بعدها في الجبل وهو يناضل إلى جانب إخوانه من أجل استقلال الجزائر.
زوجة وفية تُحرق حية
أما الشقيق الثالث والأكبر في إخوته فهو مسعود لفتيسي، الذي كان مناضلا بفرنسا، حيث ناضل في جمع الاشتراكات والمساعدات لإرسالها بعدها إلى الثورة والمناضلين.
ومن بين الأشخاص الذين اعتبرهم المجاهد رمضان قريبين جدا منه وناضلوا إلى غاية آخر نفس ولن ينساهم طيلة حياته؛ زوجته الشهيدة زينب مسيخ أو محبوبة كما كانت تلقب، والتي تزوجها وهي في سن صغيرة لم تتعد 16 سنة.
ورغم أنها كانت وحيدة والديها إلا أنها لم تتأخر عن اللحاق بزوجها من أجل النضال لتكون قريبة منه.
وأضاف المجاهد رمضان بأن خبر استشهاد زوجته ورد إليه وهو في تونس دون أن يذكر تاريخ ذلك، لكنه أكد بأن جيش الاحتلال قضى عليها بطريقة بشعة، حيث حرقها رفقة 5 نساء أخريات ورجلين من عائلة بوشطاطة بعد أن حاصرهم في الجبال.
ويبقى المجاهد رمضان وإخوته مثالا عن ملايين من الشهداء والمجاهدين، الذين قدموا النفس والنفيس من أجل استقلال الجزائر ولكي تتذكرهم الأجيال بفخر واعتزاز وتنهل من تضحياتهم وبطولاتهم.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.