أنا أحد أولئك الذين لا يصدقون إلى اليوم أن الأخ والأب والأستاذ بشير حمادي عليه رحمة الله لم يعد بيننا، واليوم تحل علينا ذكرى رحيله الأولى، ولقد غادرنا قبل عام تاركا فراغا رهيبا لدى الذين عرفوه حق المعرفة..
لا نصدق من هول الفاجعة لا من كفر بالقضاء والقدر، ونحن مؤمنون أننا إلى ما آل إليه بشير جميعا ذاهبون، ونحن اليوم أو غدا ميتون لا محالة ميتون..
لا أدعي أبدا أنني كنت صديقا له وقد كان في عمر والدي، لكن بشير ذلك الإنسان المتواضع لم أشهده يوما يُعامل الناس بأعمارهم أو بأوزانهم وأشكالهم، فقد كان يعتبر نفسه صديقا للجميع، لهذا كان شعور الصداقة يفرضه عليك الراحل فرضا دون أن يُنسيك هذا أنك محظوظ جدا بمعاصرة واحد من كبار أساتذة الصحافة في الجزائر، الذين وجب عليك احترامهم والنهل منهم..
عملت مع الكثير من رؤساء التحرير ومديري النشر والمسؤولين في عالم الصحافة، لكنني أشهد أنني لم أجد من أحبّ عمله وأتقنه مثلما فعل أول رئيس تحرير عملت معه في مسيرتي المهنية المتواضعة جدا..
قبل وفاته بأسابيع قليلة كنت قد زرته في مكتبه بجريدة الحقائق وسط العاصمة، وتبادلنا ذكريات جميلة يرويها بذاكرته القوية جدا، وقد أضفى عليها متعة وجمالا بروحه المرحة وابتسامته النابعة من القلب، فتصل إلى القلب، فهو لم يكن يتصنّع أو يتكلّف عند الحديث، أو يختلق القصص ليلبس ثوب البطولات الزائفة كما قد فعل ويفعل آخرون غيره، إن بشير وببساطة شديدة جدا قصة في حد ذاته تُروى لمن أراد أن يتمتع بتجربة خبير أو يرتوي من علم غزير..
لقد أحبّ بشير الصحافة وأحبته، ولهذا كان من الأقدار أن يموت بين أحضان حبيبته، فرحمة الله عليك يا بشير، ورحمة الله على حبيبتك (الصحافة) من بعدك!
عندما قمنا بإطلاق موقع زاد دي زاد عام 2010 كان الأستاذ بشير حمادي عليه رحمة الله أكبر شخص تحمس للفكرة، ولم يبخل علينا بنصائحه واقتراحاته وكتاباته، إلى درجة أن الكثيرين من أهل المهنة كانوا يعتقدون أنه هو صاحب هذا الموقع المتواضع، أو يقف وراءه، خصوصا بعد أن أجرينا معه تلك المواجهة الإعلامية الشهيرة وقد كانت واحدة من أفضل ما نشر الموقع على الإطلاق..
حتى أنه هو شخصيا حاول الإستفادة من تجربة الموقع المتواضع وكتّابه، عندما همّ إطلاق أسبوعية “الحقائق” من جديد، حيث اتصل بي يطلب عناوين وأرقام هواتف بعض الأسماء والكتاب الذين اشتهر بهم موقع زاد دي زاد ليضمهم إلى “الحقائق” في انطلاقتها الجديدة..
ذكرت هذا من باب ذكر أفضال الرجل علينا، وما أكثرها، وقد كنا نعتبره فعلا سيدا في موقعه، على الرغم من أنه لم يكن يقوم إلا بما تعوّد القيام به مع جميع من كان يقصده طالبا علمه أو مستئنسا بخبرته..
الذي عرف الرجل عن قرب كان يندهش كثيرا للروح التي واصل بها عمله بعد أكثر من أربعة عقود في هذه المهنة، لم يقل يوما “كبرنا” أو “فاتنا القطار”، لقد كان يعمل وهو في الستينيات من عمره وكأنه شاب في بداية مشواره المهني يكد ويجتهد حتى يضمن مكانه بين من سبقوه خبرة وتفوقوا عليه كفاءة..
لقد أحبّ بشير الصحافة وأحبته، ولهذا كان من الأقدار أن يموت بين أحضان حبيبته، فرحمة الله عليك يا بشير، ورحمة الله على حبيبتك (الصحافة) من بعدك!
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.