تخصيص يوم وطني للصحافة يوافق 22 أكتوبر من كل سنة تخليدًا لصدور أول عدد من جريدة "المقاومة الجزائرية" الناطقة باسم جبهة وجيش التحرير عام 1955، يؤكد على أن الخلفية التاريخية حاضرة، مما يوجب اتباعها شكلا ومضمونا والتزام ما حملته من مبادئ ثورية وأخلاقيات مهنية.
موضوع هذا العام هو: “ستينية الاستقلال.. تحديات الأمس، تحديات اليوم”، فهل سينال قطاع الإعلام الاهتمام الذي يستحقه بعد ستين سنة من كسر قيد المستعمر، ليعكس بشكل خاص ضمان حرية الصحافة، وتحديدا بعد التأكيد على أنها مبدأ دستوري ثابت سيحمي حرية التعبير مع مراعاة القيم وتحري الدقة والتحلي بالمسؤولية في إطار قانوني منظم.
لا توجد حرية مطلقة في الصحافة
حرية الصحافة بند هام من أجل وجود إعلام هادف ونزيه، له حرية الممارسة والمشاركة في التعبير والنقد البناء على مستوى مختلف الأصعدة وفي شتى الميادين، مما يسهم في الحصول على المعلومات وإيصالها للجمهور في إطار قانوني لا يمس بالآخر، لا كما تروج له بعض البلدان بدعمها للحريات والسماح بالمحظور ومساس المقدسات والإساءة..
مثلما فعلت صحيفة شارلي إيبدو ونالت إشادة المسؤولين ومساندة وسائل الإعلام الدولية التي لا تعدو أن تكون مجرد وسائل لتوجيه الرأي العام بتزييف الحقائق والمد في عمر الأنظمة المستبدة وأصحاب المال والسطوة، هي من يهلل للاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية ويندد بالهجوم الروسي على أوكرانيا.
المهنية والمصداقية
الادعاءات تحتاج إلى حقائق وبينات، وذلك يكون بالبحث والتقصي، والاستعانة بالمصادر الموثوقة والتصريحات الرسمية، لا مجرد اتباع اشاعات ومناشير مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي السياق ذاته لا يمكن التغافل عن سرقة مجهود الغير، والسطو على أعمال صحفية من غير تورع، في ظل غياب قانون يجرم هذا الفعل الشنيع، ليستغل أشباه الإعلاميين هذه الثغرة ولا يدركون أن هناك شيء أقوى من القانون الوضعي، وهو الوازع الأخلاقي الذي لا يعرفون له طريقا مما نجم عنه اختلالا ظاهرا في أخلاقيات الصحافة.
أما عن الإعلام غير الهادف أو كما يطلق عليه العامة “صحافة العار” فقد صار ظاهرة شائعة، تسعى لهدم مقومات الأمة، وتدمير الصرح الأخلاقي للمجتمع، ونشر الانحراف والرذيلة بالترويج للمجون، وترى في ذلك تميزا ونجاحا بزعم “هذا ما يطلبه الجمهور”.
والأدهى والأمر تشويه صورة الالتزام وتكريس النظرة النمطية المتزمتة المكتسية طابع الرجعية، لذا يجب السعي لتغيير القناعات والمواقف والسير على خطى الغرب لنيل شهادة التحضر من الإعلام الموجه.
فضائح الأقلام المأجورة
أقلام مأجورة نالت الحصانة والامتيازات المادية بسخاء، لتشهر عداءها للدين والوطن، ينشرون الترهات والأكاذيب وتحليلات مريضة وادعاءات باطلة لنفث السموم في مجتمعاتنا المحافظة بدعم من جهات مكشوفة وإيديولوجيات مفضوحة تريد زعزعة العقيدة الصحيحة والترويج لفكرة الإسلام الحداثي.
أغلب ما يصدرونه كتب إلحادية أو مذكرات مزورة لإنجازات وهمية المهم أم الجهة المانحة تغدق الهدايا والعطايا ولو لاحت من جيوبها رائحة الفساد..
محاولة زعزعة استقرار البلاد، ونشر المغالطات لمد الفتن وإشعال فتيل الحروب هي صنعة رائجة لقنوات وشبكات إعلامية بتمويل خارجي وجدت المجال خصبا ومربحا، والمحزن أن الأداة المستعملة لفتح جراح الأمة هم ممن باعوا الذمم وخانوا الوطن بعدما عاثوا فيه فسادا.
واقع الصحافة اليوم
واقع الصحافة اليوم مرير أليم، ويمكن القول من غير تحفظ أن الحصول على منصب شغل في الصحافة قد يحتاج لأكثر من شهادة وكفاءة، لأنه غالبا ما يمر بمقياس المحسوبية والوساطة، وإن لم يكن فالمساومات حاضرة، وبشهادة عدد كبير من زميلات المهنة أن لغة الجسد أبلغ من لغة القلم في قاعات التحرير، لهذا فإن نسبة كبيرة منهن فضلن الالتحاق بقطاع التعليم أو البحث عن العمل في مجال آخر أو تفضيل البطالة على خيارات خاطئة.
في حين انتسب دخلاء كثر وعلى اختلاف مشاربهم لمهنة الصحافة، واستولوا على مناصب كان غيرهم أولى بها، مما يفسر ضعف وضآلة المحتوى الإعلامي الاحترافي، وضعضعة ركيزة الإعلام باعتباره سلطة رابعة مؤثرة.
كما يقبل البعض النزول للدرك الأسفل بالتهريج والإسفاف على حساب الإنجازات الفكرية العلمية والأدبية مستندين على وهم التأثير ونجومية المؤثرين، لتحويل الرأي العام عن القضايا الأهم والأعدل.
وبالمقابل أصيب كثير من الصحفيين الشرفاءالأكفاء بالإحباط في وسط لم يعد لهم انتماء إليه، رغم مهاراتهم وولائهم المعهود والمعقود للصحافة، وشغفهم بها من زمن، لكن متونهم التحريرية ما فتئت تغرق في طوفان الضخ الإعلامي الجارف عكس تيار الأمّة ومبادئها.
فقد فضل البعض منهم التغاضي عن هضم حقوقه حبا في العمل الإعلامي، لاسيما التنازل عن الأجور، خاصة مع مرور معظم المؤسسات الإعلامية الجزائرية بأزمات مالية خانقة، واستعمال أموال الإشهار لعدم شق عصا الطاعة.
ويظل التخوف من الأحكام القضائية تهديدا آخر يلاحق الصحفي، فلا يجرؤ على القيام بمهام مشروعة وفتح تحقيقات كبرى من شأنها فضح مسؤولين كبار متورطين في قضايا فساد، واسألوا الصحفي بلقاسم حوام عن مذكراته البئيسة من خلف القضبان.
الحديث عن الصحافة يطول وهذا غيض من فيض، والقصد أن عملية التغيير والإصلاح لا تحدث من غير إعلام مؤثر يبث رسائل إعلامية صحيحة وموثوقة ،صائبة وهادفة، تنير العقول، ترفع المستوى وترقى بالمجتمع وسلوكيات الأفراد وهذا ما نسعى إليه كل إعلامي جزائري شريف نزيه منذ ستين سنة.
@ طالع أيضا: لماذا يكره الجزائريون جريدة “ليبرتي”؟
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.