زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

المواطن احترق.. والضوء الأحمر اشتعل

المواطن احترق.. والضوء الأحمر اشتعل

لفتت انتباهي ظاهرة الانتحار بالحرق، التي بدأت تأخذ منحى خطيرا، تواجهه اغلب الدول العربية ، التي تعاني من اضطرابات سياسية ، وأزمات اقتصادية.

انطلقت الشرارة الأولى من تونس الشقيقة ، لما اقبل المواطن الشاب محمد البوعزيزي ، في إضرام النار على جسده ، احتجاجا منه على ظلم الشرطة له ، وعلى ظروفه القاسية التي يعيشها ، مع الكثير ،  فالفقر والبؤس والانغلاق السياسي، عزز من اعتقاده بعدم الجدوى ،واستحالة تحسن أوضاعه المعيشية.

البوعزيزي الشاب والمواطن البسيط،  فجر ثورة شعبية تونسية أدت إلى خلع رئيس دولة ، تربع على عرش تونس، قرابة ربع قرن من الزمن.

هذه النار التي التهمت جسده النحيف ، مهدت لثورة الشعب ، على نظام الحكم، وإطاحة سلطته ، وفرضت فرار رئيس دولة ، على عجل في جنح الليل ، لطالما عرف بقوة حزبه ، وتماسك أركانه ، وبطش سلطته ،ومع ذلك و بطريقة تبعث على الخجل ، والجبن ، اجبره المنتحر على ترك السلطة،  والتنحي عن امتيازاتها ، وهو يجر الذل والخزي والعار.

إننا نرى سيناريو البوعزيزي ، الانتحاري يتكرر، ونتائجه المحققة في تونس ، لم تتحقق بعد في البعض من البلدان العربية ، التي شهدت العديد من  حالات  الحرق ، ابتداء من الدولة الجارة  لتونس ، الجزائر الغنية بثرواتها البترولية والغازية ، والتي يتجاوز احتياط الصرف فيها الـ 150 مليار دولار، ولكن تواجهها الكثير من التحديات ، من بطالة وفقر،  فإلى مصر الفاقدة لشرعية التداول على السلطة، والمرشحة ، على أنها البلد المقبل، على الهزات، إلى اليمن البلد الأسيوي الذي يعاني من أزمات سياسية عميقة ، ومهدد ،  بالانشطار، وهناك بلدان كموريتانيا ، والسعودية ، والمغرب والسودان كلها تماثل تونس في سلوك أنظمتها اتجاه شعوبها.

راجت فوضى الاحتراق، وبدت للعلن، رغم محاولة صناع القرار والمسئولين، إلى إخفائها والتستر عنها ، إلا أنها انكشفت وظهرت وانتشرت كموجة تعبر عن اليأس والحرمان ، بالإضافة إلى عدد الضحايا ، الذين أصبحوا يشكلون وقود نار تشتعل في أجسادهم ، أصبح الكل متخوفا ، من خطورة انتشار هذه الظاهرة،
وأية نتائج ستجلبها ، من حراك اجتماعي وانتفاضة شعبية ، لقد أضحت هذه العدوى ، الفتاكة تنتشراخبارها ، في كل الأنحاء ، والأقطار ، المهددة بسقوط أنظمتها الفاقدة للشرعية،  والمنخنقة سياسيا، والفاشلة اقتصاديا.

والأغرب هنا، انه لم يع أصحاب القرار وصناعه، بأن الضوء الأحمر اشتعل،  المجتمع العربي والإسلامي في خطر، نتيجة ظروف سياسية واجتماعية قاسية ، وها هو يقدم تضحياته ، ويقبل أفراده على الانتحار بالحرق ، وهو يعلم علم اليقين ، انه من الكبائر التي لا تغتفر. فلماذا يقبل على ذلك رغم علمه ، وإدراكه أن ذلك مخالف لشرع الله ، وانه فعل محرم دينيا لدى المجتمعات الإسلامية ، وفعل مكروه عند المجتمعات الإنسانية ، التي لا تقبل ولا تبرر الفعل الانتحاري ، مهما بلغت قسوة التحديات وصعوبة الحياة.

ألم يدرك  صناع القرار من الحكام  ،  أن المواطن المحتج بكيفية الحرق ، يعتبر ذلك  أقسى احتجاج،  فرضه المحتج على نفسه، وما يستدعيه هذا من انعدم فرص النجاة ، من جراء قسوة  الفعل  الاحتجاجي المقبل عليه ، فهو إن لم يؤد إلى وفاته ،  فعلى الأقل  يسبب له عاهات خطيرة ومستديمة تمنعه ولعقود طويلة من مزاولة نشاطه مستقبلا ، وتعيق حركته.

في السابق كانت  الاحتجاجات تحمل أساليب أخرى ، حيث كنا نسمع  عن محتجين يقومون بالاعتصام ، أمام المؤسسات والدوائر الحكومية ،  أو يضربون عن الطعام ،  أو يسيرون في الشوارع حاملين اللافتات  الاشعارية ، غير أن ذلك يبدو انه لم يعد مجديا، وهذا النوع من الاحتجاج التقليدي لم يصر ناجعا ، أصبح الآن الإقبال على حرق الجسد ،أكثر الأشياء تأثيرا ، وأكثرها تعبيرا ، عن حالة القلق من أوضاع الحياة المزرية ، وهو أسمى فعل يقوم به الإنسان المحتج ، كدلالة قوية ، في عدم القدرة على التحمل ، والصبر لإيجاد بصيصا من أمل ، يدعوه للصمود ومواصلة التحدي.

المواطن  فقد الثقة  في مسؤوليه، تلاشت آماله، وانعدمت آفاقه،  كبله الإحباط ، وثبط اليأس قدراته العقلية ، في إقتناص الحلول الايجابية ، ذات الفعالية والنجاعة، تزيل معوقاته ، وتحقق طموحاته ، فهو يحرق جسده، لأنه سبق وان احرق أعصابه ، وتفحمت آماله ، واسودت حياته.

هذا الاحتجاج القاسي واللانساني، هل يستطيع  به هؤلاء المحتجون من تحقيق لفت انتباه صاحب القرار، وإجبارهم على الاهتمام والتكفل بمطالبهم ، والنظر إلى مشاكلهم ؟ ، هل سيفرضون على الحكومات، ريتما، فيه جدية في البحث، عن إيجاد السبل والحلول الناجعة ،  التي تحقق طموحاتهم؟  . أم أن الحكام يواصلون إصرارهم على التنكر، والاستمرار في سلوكهم الاقصائي، وأسلوب الاغتراب ، والانغلاق ، وعدم الانفتاح على مواطنيهم ، وسيواصلون احتكارهم للسلطة ، بما يضمن لهم  البقاء ، واستغلال ثروات البلاد ومواردها، ولن يحركوا ساكنا ، للقضاء على الفساد ، ماداموا  يمارسونه بشتى طرق الابتزاز والاستغلال والسرقة ، لكل ماهو حق للمواطن.

آن الآوان للتريث، والتمعن، والعمل، على إعادة التفكير من جديد  في كرامة المجتمع المواطن، لأننا مقبلون على أزمات خانقة يصعب إيجاد الحلول لها، في عصر ميزته الاختراقات، والتدخلات الأجنبية السافرة والفجة ، المصحوبة بالأطماع ، والهادفة للسيطرة أكثر على مقدرات ، هذه الشعوب.  آن الآوان للتوقف عن أساليب  الإقصاء ، وعدم إشراك المواطن.

الوضع الاقتصادي العالمي ينبئ ، بظهور أزمات يصعب احتواؤها لان صبر الشعوب على التحمل ، وعلى مصادرة حقوقها نفذ ، و لم يعد بمقدورها تحمل المزيد ، من  الفقر ، والبطالة ، والاغتراب ، والتضييق السياسي والأمني . إن الدول التي أغرقت نفسها في وحل الفساد ، تعتبر من الدول المرشحة للانزلاق والانفلات الأمني ، فالكل احترق ، من الشاب والكهل الأعزب والمتزوج ، والرجل والمرأة ، لم يبق لنا ، إلا أن نسمع يوما ، أن أطفالنا يحرقون أنفسهم ، إما تقليدا لسلوكيات الكبار، آو أنهم ، هم أيضا أدركوا ، أن المستقبل أمامهم ، اسود لونه ، ولم يعد مشرقا ، والسنة النيران بلهيبها، طالت كل شيء، ولم تعد الحياة الكريمة في متناولهم ، لان الفساد احرق كل شيء ، هم يحترقون في الأسفل ، على ارض مليئة بثروات البترول ، وأعمدة  أنابيبه تعلو في السماء وفي رأسها شعلة تحرق قلوبهم ، ففي فوهاتها تحترق الطاقة دلالة على ثراء البلد، ولا يحصلون منها إلا على الفتات ، فأصحاب الأيادي الطويلة ، وذوي النفوذ ، يسهرون على نهب ثروات الأمة، ويعقدون الصفقات المشبوهة مع شركات أجنبية عملاقة ، تمتص الدماء ، وتزيد الشعوب فقرا .

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

2 تعليقات

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

  • تعليق 15

    مواطن يحب الخير لبلده

    شعب يوشك أن ينفجر ويثور…ونعم سلطة ترتعد وتمارس صمت القبور!

    هذا هو واقع الحال اليوم في الجزائر على صدى ثورة البوعزيزي,إنه لأمر غريب حقا أن يحدث مايحدث في عمقنا الأمني ومع ذلك لاتعليق من وزارة الخارجية ولاتصريح رسمي من رئاستنا أو حكومتنا بأستثناء برقيتي الرئيس وهو في الأجواء التونسية ؟! أهو الذعر جعل القلوب تبلغ الحناجر فتمنعها من النطق؟ أم هو خبث مقصود لمحاولة إبعاد أنظار الشعب الجزائري عمايقوم به الأشقاء التوانسة؟
    في كلتا الحالتين فهذا غباء كبير,إنه لاشيء يبقى خافيا في عصر الإنترنات والجوال والفضائيات.
    فالملاحظ أن التلفزة الوطنية واصلت تجاهلها للثورة في تونس وتفضل أن تنقل لنا أخبار الزيت والسكر, ومهرجانات الزيتون والتوارق وحاسي البسباس! في وقت نرى الجزيرة والعربية والعالم في حالة طواريء وتصول وتجول.إن صمت القبور هذا سوف لن يجدي لمحاولة إبعاد شبابنا عمايجري في تونس,فهم يوميا في حالة طواريء لمتابعة الأحداث,ولن يزيد الشباب العاطل عن العمل إلا إصرار على إسماع صوته ومطالبه بطريقة أو بأخرى ومحاولة أتباع خطى سيدي بوزيد,فالعدوى فعلا قد قطعت الحدود ووصلت إلى اليمن والأردن وسوريا ومصر وطبعا إلى الجزائر.وفي يوم واحد أضرم 5شباب(من تبسة وجيجل ومستغانم وعين بنيان وبرج منايل وغيرها,حتى الآن توفى إثنان) النار في أجسادهم,أحتجاجا على ضروفهم المزرية.ورغم ذلك يتم تجاهل الإشارة إلى ماحدث رسميا وإعلاميا,بل أن بعض الجرائد الإنتهازية كالشروق تذهب إلى حد الإستهزاء بمافعله هؤلاء الشباب, وكأننا نشاهد فيلم جيمس بوند.
    إنه أمر خطير أن تعامل سلطاتنا أحداث بهذا الحجم بهكذا تجاهل وأستخفاف,تماما كما تعاملت مع أحتجاجات الأسبوع الماضي ونعتتها بأحتجاجات لصوص ونهب وسلب,رغم أنها كانت إنذارا لتذارك الأمر والمطالبة بالتغيير وليس من أجل الزيت والسكر.ونعم لقد صُرِفت مئات الملايير على مشاريع إجتماعية وعامة في الجزائر,وصحيح أنه لاينكرهاإلاجاهل-رغم أن الأموال كلها أموال المحروقات- لكن الكثير من هاته الأموال سرقت من طرف القائمين على المشاريع ,فنشأت طبقة بورجوازية أستهلاكية طفيلية عاثت في البلد فسادا,وأُهملت إستراتجية الإقتصاد الإنتاجي الصناعي والزراعي والذي يوضف الشباب ويحقق الأمن الغدائي ,وزادت الهوة بين قلة ثرت ثراءا فاحشا وكثرة شعبية مهمشة تزداد الحياة صعوبة أمامها من عام إلى عام..
    كذلك من أخطاء السلطة أنها نقلت إجراءات العشرية السوداء ومقتضيات الظروف الأمنية حينها إلى العشرية الأخيرة,فأبقت على غلق الإعلام والعدالة مما نتج عنه غبن وظلم كبير للمواطن البسيط ولاعقوبة لكبار اللصوص والمفسدين,فأزدادت الجريمة بشكل رهيب بسبب اللاعدالة في توزيع الثروة واللامساوات في تطبيق القانون.
    الخطأ الثالث هو خيانة وعود الوئام المدني في عدم الإقصاء من الحياة السياسية,لكن ممارسات السلطةكانت عكس ذلك,فلا أحزاب جديدة رخص لها ولاترشيح للإنتخابات, لمن كان عضوا في الفيس مثلا,مسموحة,بل مورس الإقصاء-بحجة تقارير أمنية-حتى في أبسط الوضائف,فنشأت طبقة عريضة ممن يحسون بالتهميش والإقصاء.
    البلد في حاجة إلى تصحيح هاته الأخطاء ولتصحيح مساره بشكل راديكالي ومستعجل لتجنب تغيير دموي عنيف يأتي على الأخضر واليابس.

    • 0

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.