عناوين فرعية
-
هل يمكن اعتماد القيم الاجتماعية كعامل محرك في عجلة التغيير؟
من خلال تتبعنا للتراث النظري للعلامة ابن خلدون نجد أنه قد تضمن العديد من الإشارات حول العصبية والبداوة والمُلك.. ولكن اللافت هو تشكل الرؤية القيمية التي تعتبر بعدا أساسيا للبناء الاجتماعي كقيم التعاون والتضامن والولاء.
ولكن اللافت هو تشكل الرؤية القيمية التي تعتبر بعدا أساسيا للبناء الاجتماعي كقيم التعاون والتضامن والولاء
كما نلاحظ تحول النسق القيمي للفئات المتسلطة لدى الدول بوصفه لمراحل تطور هذه الدول من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة والمنعة، ثم الضعف والاستكانة، بسبب تغير تراتب القيم عند الأجيال داخل النسيج الاجتماعي.
تحليل ابن خلدون في هذا الباب يشير فيه إلى أن الفرد كائنٌ رشيد يقارن بين التكلفة والعائد “النفع والغرم” وهذا أساس فكرة الكائن الاقتصادي.. كما خلص الألماني ماكس فيبر إلى أن العلاقة بين القيم الدينية والأنساق الاقتصادية أدت إلى ظهور الرأسمالية الحديثة.
@ طالع أيضا: الانضباط الوظيفي في المؤسسة.. فعل أخلاقي وسلوك تنظيمي
كان ابن خلدون يرى أن الواقعة تصبح عديمة المدلول والفحوى إذا كانت منفصلة عن غيرها من الواقعات، “أن فن التاريخ… محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان به عن المزلات والمغالط..
لأن الأخبار إذا اعتمدت فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأحوال في الاجتماع الانساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق”.
فقد أتاح للمعرفة الحدسية المفترضة أن تتحول إلى معرفة منظمة وعلمية، فتحقق بذلك تقدم كبير، وكانت الخطوة التي خطاها بالمعرفة بمثابة ثورة حقيقية، ومع ذلك فإن ابن خلدون بعد أن استخلص المفهوم الاجمالي للعمران (الحضارة بالمعنى الواسع)، بعد تحليل ومقارنة مختلف العناصر التي تُكون بنيته، قد توصل إلى اشتقاق مفهومات أخرى، أتاحت له بدورها أن يذهب إلى أبعد من ذلك ليبلغ الآليات العميقة لهذا الكون الاجتماعي التاريخي..
وتولد عن المفهوم الرئيسي للعمران بنيات عديدة تمثلها مفهومات ستة هي: البادية (المجال الموجود خارج أسوار المدينة)، والحضارة (التمدن)، والعصبية (روح التضامن)، والملك (الحكم) والمعاش (أسباب الرزق) وأخيرا العلوم (العلم والمعرفة).
حيث أكد ابن خلدون: “أن العدوان على الناس في ممتلكاتهم وأموالهم يؤدي إلى تقلص رغبة الناس في العمل والإنتاج للحصول على الأموال والاستزادة منها، فإذا ذهبت الرغبة في اكتساب وتحصيل الأموال انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك” .
تحليل ابن خلدون في هذا الباب يشير فيه إلى أن الفرد كائنٌ رشيد يقارن بين التكلفة والعائد “النفع والغرم” وهذا أساس فكرة الكائن الاقتصادي.. كما خلص الألماني ماكس فيبر إلى أن العلاقة بين القيم الدينية والأنساق الاقتصادية أدت إلى ظهور الرأسمالية الحديثة.
مالك بن نبي في نظرته للثقافة كقيمة منتجة للفاعلية والحضارة، فهو يرى أن فاعلية الثقافة تتوقف على الطريقة التي يعتمدها الإنسان في شغل الزمان وملئ المكان، كما أن هذه الفاعلية ليست فردية أو جزئية، بل هي قدرة شاملة وكامنة في المجتمع ككل..
@ طالع أيضا: التغيير في المؤسسة.. فعل استراتيجي وليس تعليمات إدارية!
فلقد اعتبر أن القيم عاملا محركا وديناميا في عجلة التغير الثقافي والتاريخي إلى جانب متغيرات أخرى كالتكنلوجيا والمصادر المادية، ومن هنا نجد أن فيبر يؤكد على علاقة جدلية بين الثقافة والسلوك الاقتصادي.
فهو يرى “أن ظهور الأخلاق البروتستانتية يسّرت ظهور النزعة الرأسمالية، التي أسهمت بدورها في كل من الثورة الصناعية والثورة الديمقراطية”.
حيث يرى أن ظهور البروتستانتية كان عاملا حيويا في تحديث أوربا، وأن الأخلاق البروتستانتية هي العامل الحاسم في تحقيق التنمية الاقتصادية فيها، فالقيم تلعب دور المؤثر المستقل في التغيرات الاجتماعية والثقافية.
ومن هنا وصل فيبر إلى خلاصة أن النسق القيمي يستمد من الدين، ومصادره دينية بحتة وليس من الأوضاع الاقتصادية كما جاء بها ماركس أو اجتماعية كما أوردها دوركايم.
أما مالك بن نبي في نظرته للثقافة كقيمة منتجة للفاعلية والحضارة، فهو يرى أن فاعلية الثقافة تتوقف على الطريقة التي يعتمدها الإنسان في شغل الزمان وملئ المكان، كما أن هذه الفاعلية ليست فردية أو جزئية، بل هي قدرة شاملة وكامنة في المجتمع ككل..
بحيث يقول: “أن الفرد يحقق ذاته بفعل الإرادة والقدرة، ليستا نابعتين منه بل نابعتان من المجتمع الذي هو جزء منه”..
هذا ما يبين أن تصوره للفعل والممارسة تصور كلي، أما العمل كموجه للفعل التاريخي عنده تتحكم فيه ثلاثة عناصر متفاعلة ومتكاملة وهي عالم الأشخاص، عالم الأشياء و عالم الأفكار.
وطبيعة العلاقة التي يقيمها المجتمع بين هذه المكونات في فهمه لها ودرجة التأثر بها، تتحدد طبيعة الحضارة بمعنى أنه عندما يختل التوازن بينهما في وعي الإنسان وإدارته لها يؤدي مباشرة إلى تعطل العمل الحضاري.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.