كنت قد وعدتكم تلخيص فيلم المعضلة الإجتماعية الوثائقي عن وسائط التواصل الإجتماعي عنوانه: The social dilemma.
الملخص طويل بعض الشيئ لكنه يستحق القراءة.
الكثير يظن أن ڨوڨل هو مجرد محرك بحث… وفيسبوك لا يعدو أن يكون ملتقى افتراضي للأصدقاء..، لكن ما يجهلونه أنهما في حرب ضروس لكسب انتباهنا وجعلنا نبقى أكثر وقت أمام شاشات هواتفنا وحواسيبنا…
فكما أسلفت، شارك في الفيلم أشهر مهندسي وسائل التواصل الإجتماعي… وقد تحدثوا عما يعرفونه جيدا… فما ذكروه ليس تحليلا… بل معلومات موثقة.
▪︎ الفكرة الأولى في الفيلم…
تلخصها المقولة الاقتصادية الشهيرة: “إن لم تدفع حق السلعة، فأنت هو السلعة”.
الكثير يظن أن ڨوڨل هو مجرد محرك بحث… وفيسبوك لا يعدو أن يكون ملتقى افتراضي للأصدقاء..، لكن ما يجهلونه أنهما في حرب ضروس لكسب انتباهنا وجعلنا نبقى أكثر وقت أمام شاشات هواتفنا وحواسيبنا…
كل استراتيجية تسويقهم ترتكز على أن نعيرهم أفضل أوقاتنا إن لم يكن كلها.
“الإنتباه” هو بترول اليوم… شركات البترول مجتمعة والتي أنشأت في بدايات القرن الماضي… لا يمكنها منافسة شركة كشركة فيسبوك الآن والتي أنشئت في بداية هذا القرن فقط.
▪︎ ماذا يبيعون؟
يقومون أولا باستقطابنا… ثم يلاحظون انطباعاتنا وتوجهاتنا واهتماماتنا، بكل حركة نقوم بها عندهم.. بالفيديوهات التي نشاهد، وبالمنشورات التي نهتم بها ونعلق عليها، وبمجموعة الأصدقاء الذين نتفاعل معهم….
تقوم اللوغاريتمات بوضع تصوّر على الشخص، لاستباق كل تصرفاته، ووضعها في قالب يجعلهم يعرفون ما الذي يجعله يبقى لأكبر وقت في هذه الوسائط…
وكلما نجحوا في جعلنا نبقى أكثر وقت ممكن كلما زاد ثمن وقتنا، الذي نسلمه لهم مجانا… وهم يبيعونه أغلى من البترول والغاز آلاف المرات… نعم آلاف الأضعاف!!!
وفي خضم ذلك يتم بيع هذا الوقت للشركات التي تبيع سلعا له.
▪︎ من هو الزبون: الشركات
من هو البائع: وسائط التواصل الإجتماعي…
ما هي السلعة: أوقاتنا… أي حياتنا… أي نحن.
وكلما نجحوا في جعلنا نبقى أكثر وقت ممكن كلما زاد ثمن وقتنا، الذي نسلمه لهم مجانا… وهم يبيعونه أغلى من البترول والغاز آلاف المرات… نعم آلاف الأضعاف!!!
لا يختلف في ذلك من اهتمامه بالرياضة عمن اهتمامه بالسياسة، اللوغاريتمات هي من يوجهنا… لا نملك حيلة.
▪︎ الفكرة الثانية:
أن كل هذه العملية الدقيقة… حدثت وتحدث بتلاعب كبير… إن كانت الغاية هي بقاؤك على هذه الوسائط… فالوسيلة غير نظيفة إطلاقا… يُستعمل فيها أخبث طرق التلاعب بالعقول.
ويشبّه مهندسوا هذه الطرق، ممن شارك في هذا الفيلم، بالسحر.
يستعملون طرق السحرة في سحر عيون الناس.
فالساحر هو أول من اكتشف الجانب الخفي من عقولنا، وهو الجانب الذي لا نتحكم فيه جيدا.
فأمام الساحر يستوي كل البشر… المتعلم وغير المتعلم.. الطبيب والراعي… السيّد والعبد… كلهم سواء.
في جامعة ستانفورد يدرسون هذا الجانب من البشر، وكيفية تحويله من أفكار إلى تكنولوجيا… ويبدو أن أغلب رؤساء شركات التواصل الإجتماعي درسوا هذه المادة بهته الجامعة.
والهدف واضح… هو الدخول لأعماق لاشعور الفرد للتحكم في تصرفاته… وتصبح بذلك أفعالنا شرطية من دون تفكير.
حجم التجارب علينا لا ينتهي وكل التحديثات على الفيسبوك مثلا تأتي بعد القيام بملايين التجارب علينا… حتى أصبحوا يعرفون عنا أكثر بملايير المرات ما نعرفه عن أنفسنا. العملية كما يصفها بعض من اخترعها، بعملية قصرنة حقيقية للعقول البشرية.
الأمر ليس صدفة أن تصبح راحتك بفتح هاتفك كل بضعة دقائق لمشاهدة الإخطارات الجديدة مثلا… بل مقصود لذاته، وصُمّم من أجل ذلك.
تماما حينما يقوم غيرك بالتأشير عليك في صورة ما… لا يمكن لبشر أن يتجاوز ذلك ولا يذهب لرؤية الصورة المؤشر عليها إسمه.
تُستثمر الملايين من أجل الإبقاء على حالة الخداع هته، واكتشاف طرق جديدة للتلاعب بالعقول والقلوب.
ولا نمتلك في ذلك إلا أن نكون فئران تجارب… حقيقة لا خيالا.
حجم التجارب علينا لا ينتهي وكل التحديثات على الفيسبوك مثلا تأتي بعد القيام بملايين التجارب علينا… حتى أصبحوا يعرفون عنا أكثر بملايير المرات ما نعرفه عن أنفسنا.
العملية كما يصفها بعض من اخترعها، بعملية قصرنة حقيقية للعقول البشرية.
▪︎ الفكرة الثالثة:
النتيجة الحتمية لما سبق… أننا مخدرون… مدمنون، البعض يدمن فيسبوك والبعض تويتر وآخرون أنستاغرام… تيكتوك… إلخ
التخذير حقيقي وحالة السكر حقيقية.
أثبت العلم أن الإخطارات الإيجابية كالإعجاب بالصور أو المنشورات، يفرز الدوبامين في عقولنا لننتعش… وهو نفس المادة التي تفرزها الخمور والمخدرات… وهذا الإحساس يتطلب المزيد دوما… وإلا وقعنا في الإكتئاب.
فالمدمن يدرك خطورة المخدر… ومع ذلك يتناوله كلما أحس الحاجة إليه… ومدمن فيسبوك ليس له خيار غير فتح هاتفه قبل التبوّل صباحا أو بعده بلحظات…!
أثبت العلم أن الإخطارات الإيجابية كالإعجاب بالصور أو المنشورات، يفرز الدوبامين في عقولنا لننتعش… وهو نفس المادة التي تفرزها الخمور والمخدرات… وهذا الإحساس يتطلب المزيد دوما… وإلا وقعنا في الإكتئاب.
فالمدمن يحتاج لجرعة الدوبامين دوما….وعدم وجوده يعني بالضرورة اكتئاب حاد… فيبقى بين الأمرين يراوح مكانه.
ومن خصائص الإدمان أن الإرادة وحدها مهما كانت قوية لن تكفي للخروج منه.
ومع ذلك يدرس مهندسو وسائط التواصل الإجتماعي كيف يكسرون إرادتك في كل مرّة، بأساليب شيطانية.
هذا الإدمان آثاره كارثية حسب الإحصائيات الرسمية… فبعد سنة 2013 زادت حالات إيذاء النفس والإنتحار بحوالي 70 بالمئة عند المراهقين بين سن 15 و19 سنة عن سابق هذا العهد.
الجيل الذي عاش مراهقته مع وسائل التواصل الإجتماع هو جيل ضائع تقريبا…. اكثر الأجيال كآبة وعدم ثقة بالنفس واضطرابا نفسيا… وأكثرهم انتحارا… حسب آخر الدراسات الاجتماعية.
وزادت بحوالي 151 ٪ عند المراهقين الأقل سنا… من 10 الى 14 سنة.
والجيل الذي عاش مراهقته مع وسائل التواصل الإجتماع هو جيل ضائع تقريبا…. اكثر الأجيال كآبة وعدم ثقة بالنفس واضطرابا نفسيا… وأكثرهم انتحارا… حسب آخر الدراسات الاجتماعية.
وفي ظل هذا الضياع… فيسبوك لا يهتم إلا بتركيز وجودك عندهم لمضاعفة أرباحه.
▪︎ الفكرة الرابعة:
وهي أخطرها على الإطلاق..
أننا نعيش داخل فقاعات فردية… وفي أفضل الأحوال في مجموعات ضيقة داخل هذه الوسائط… مما يفضح كذبة الإجتماعية منها.
هذه الخوارزميات والذكاء الإصطناعي لا يتعامل مع مجموعات بل مع أفراد، كل فرد له عالمه الخاص… والعجيب أننا نعيش لحظات نظن فيها أننا مؤثرون وأننا نملك فعلا الخيار في ما نشاهد وما نشارك، وما نعلّق…
الأمر لا يتعدى أن يكون وهما فقط… تماما كوهم ساحر البطاقات… الذي قد وضع لك مسبقا البطاقة التي سوف تسحبها.
هذه الفقاعة تجعلنا نتميز عمن يختلف معنا… وهو ما يفسر الحدّية في الآراء السياسية والثقافية.
فيسبوك وأخواته وُجدوا لصنع صراع لا لنشر التوعية سواء كانت سياسية أو دينية أو ثقافية. وهنا يمكن استحضار التنابز بين خطين اثنين في حراك الجزائر. شاهدنا كيف تتزايد هذه الحدة في الآراء إلى ان وصلت إلى الأفكار العنصرية بسرعة عجيبة… لم يعهدها وطننا أبدا.
فيسبوك وأخواته وُجدوا لصنع صراع لا لنشر التوعية سواء كانت سياسية أو دينية أو ثقافية.
وهنا يمكن استحضار التنابز بين خطين اثنين في حراك الجزائر.
شاهدنا كيف تتزايد هذه الحدة في الآراء إلى ان وصلت إلى الأفكار العنصرية بسرعة عجيبة… لم يعهدها وطننا أبدا.
هذا الأمر مقصود لذاته، لأن هذه العصبية هي من يجعل الجميع يطيل المكوث فيها… وبما أن الهدف الأول لهم هو ذاك… فلا تهم الوسيلة… ولو سقطت دول وقامت حروب أهلية.
في الفيلم ذكروا أن عدم قبول الآخر بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي وصل درجة خطيرة، بسبب وسائل التواصل الإجتماعي… فلأول مرة أصبح كل طرف يرى الطرف الآخر خائنا وليس وطنيا.
فما تفعله هذه الخوارزميات أنها تجعلك دوما تشاهد نفس الأخبار التي تسند آراءك… وتعزز موقفك، حتى تصبح دينا لا يناقش… ثم تعيش في دائرة مغلقة… تجعل مخالفيك سياسيا خونة وغير وطنيين.. ويستحقون حتى القتل.
إن كنت مؤامراتيا مثلا فسوف تشاهد فقط كل ما يعزز تلك القناعة.
حسب الدراسات الأخيرة، أثبتت الملاحظة أن الأخبار الكاذبة والمغلوطة، تنتشر 6 مرات أسرع من الأخبار الصحيحة في هذا العالم… وبذلك فتأثيرها أكبر، ولأنها تستقطب أكثر فالذكاء الصناعي لهذه الوسائط يستعملها من
حيث لم يدرك مبرمجوها لتعيث في هذا العالم فسادا من أجل الربح المادي الضيق.
الحقيقة مملة والأكاذيب أكثر إمتاعا
هذا الأمر استغلته الدول الشمولية بشكل إجرامي، والمثال الأقرب هو ما حدث لمسلمي الروهينغا في بورما فقد كان فيسبوك وسيلة سهلة وغير مكلفة لشحن البوذيين ضد المسلمين لتحدث مذبحة قلّ مثيلها في العصر الحديث.
الإشاعة أكبر مستقطب للإنتباه في هذا الفضاء… ولا يمكن لناشري الوعي المفترضين أن ينافسوا هذه الآلة الضخمة.
هذا الأمر استغلته الدول الشمولية بشكل إجرامي، والمثال الأقرب هو ما حدث لمسلمي الروهينغا في بورما فقد كان فيسبوك وسيلة سهلة وغير مكلفة لشحن البوذيين ضد المسلمين لتحدث مذبحة قلّ مثيلها في العصر الحديث.
ويعزو البعض أن نفس الامر حدث للتلاعب بالشعوب في الربيع العربي وهونغ كونغ، والبرازيل واليونان وحتى في أمريكا في الإنتخابات الأخيرة.
الحروب الأهلية أصبحت في متناول أي نظام يريد زعزعة نظام آخر… فقط باستعمال أدوات هذه الوسائط.
ينتهي الفيلم بصورة فرد يتحرك يمينا وشمالا بلمسة من لمسات غيره…. يوجّهه كيف يشاء.
وعبارة بطل هذا الفيلم… مهندس مشهور شارك في برمجة أغلب الخوارزميات قبل أن يدرك خطورة ما فعل ويستقيل.. قال إن خطورة هذا الأمر في أنه يُخرج أسوء ما في المجتمع وليس أفضل مافيه.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.