أبان الشارع الجزائري أننا شعب قليل المخيال، وأننا شعب لم يترب ذوقه على السينما والمسرح والفنون الخيالية، فهو مخيال واقعي أكثر من الواقعية نفسها، الضجة التي رافقت مقطع الفيلم الأمريكي الذي لأظهر الجزائر أنها راعية إرهاب وأن واشنطن تقرر ضرب موقع أو معسكر الإرهابي الجزائري بالسلاح النووي..
هذه الضجة بينت قصر ومحدودية خيالنا كمجتمع وشعب وكنخب أيضا، وكدولة لم تمنح شعبها حقه في السينما والفن ولم تنمّ فيه الخيال والحلم، وحسب ما قرأت منذ تقريبا أسبوع عبر وسائل التواصل الإجتماعي بل وحتى الجرائد والقنوات التلفزية، فقد عبر الجزائريون عن وعي سياسي في غير محله، بل وتحدث الكثير عن عداوة حميمة بين الجزائر وأمريكا وضرورة رد الدبلوماسية الجزائرية والتدخل لتوقيف الفيلم ورد الإعتبار للجزائر وسمعتها، فيما تحدث إعلاميون كبار عن تاريخ الجزائر وسطوتها على كل الملاحة في البحر المتوسط وعن دور الثورة الجزائرية في تعليم فنون العسكرية للجيش الأمريكي، ولم يتحدثوا عن صورة الجزائر اليوم.
كان مستوى تفاعل الجزائريين مع مقطع الفيلم الأمريكي تفاعلا عاطفيا سياسيا لا علاقة له بالتفاعل الفني والسينمائي. للأسف الجزائر توقفت عن إنتاج صورة جميلة وتنمية مخيال الجزائريين وذوقهم السينمائي…
وصب الفايسبوكيون الجزائريون جام غضبهم على الحكومة الأمريكية واعتبروا الفيلم مقدمة لاحتمال تدخل عسكري في الصحراء الجزائرية تماما مثلما وقع في ليبيا والعراق حسب ما كتب جزائريون عبر صفحاتهم.
وأنا أتابع كل تلك الجعجعة لم يحدث أن قرأت لأحد تحدث عن دور الجزائر في صناعة صورتها عبر سينما وفنون الصورة والصوت، لم يدع أحد إلى دور الدبلوماسية في خلق صورة جديدة لجزائر ما بعد الاٍرهاب.
.
موت السينما الجزائرية،،، موت المخيال والذوق العام
الجزائر اليوم غابت نهائيا عن الصورة الكبرى للعالم، لم يعد للدبلوماسية الجزائرية أي دور يعيد للبلد مكانته سوى ملف الصحراء الغربية التي تتبناه الديبلوماسية منذ عشريات، لم أقرأ لمثقفين وإعلاميين عن دور النخب ووزارة الثقافة في إنتاج سينمائي يبعث الجزائر من الرماد، للأسف حتى موضوع الثورة التحريرية مات سينمائيا وفنيا رغم عظمة هذه الثورة بشهادة الجميع.
أعيش في أمريكا وقلما أجد أمريكيا من الأجيال الجديدة من يعرف الجزائر حتى جغرافيا، التقيت بالقليل من كبار السن من يعرف الجزائر، وللأسف وفي غياب سينما ودبلوماسية جزائرية قد يساعد هذا الفيلم الأمريكي في تعريف الجزائر جغرافيا على الأقل.
في فيلم سقوط البيت الأبيض والذي شاهده الأمريكيون لم يقل أحدهم أن المخرج أهان الرئيس أو أهان رمزا من رموز السلطة بتدمير الإرهابيين للكونغرس والبيت الأبيض…
وبخصوص استعمال الجزائر وتوظيفها في الفيلم الذي أغضب الجزائريين فهذا ليس جديدا على هوليوود، ومن يشاهد ويدخل قاعات السينما الأمريكية يتعرف على كل دول العالم من خلال السينما أو شباك البوكس أوفيس، كل دول العالم كانت جزءا من سحر الخيال السينمائي الأمريكي بدءا من البيت الأبيض الذي يسقط بين أيدي الإرهابين الكوريين والروس، كما يتم احتجاز الرئيس الأمريكي الحالي كرهينة يهان جيدا فيما يتم تدمير شبه كلي للبيت الأبيض وهو رمز السيادة الأمريكية، في فيلم سقوط البيت الأبيض والذي شاهده الأمريكيون لم يقل أحدهم أن المخرج أهان الرئيس أو أهان رمزا من رموز السلطة بتدمير الإرهابيين للكونغرس والبيت الأبيض بشكل رهيب.
عشرات الأفلام الأخرى تناولت قضية الإرهاب والسلاح النووي وتم تدمير مدن شهيرة كشيكاغو، نيويورك، لوس أنجلوس، كما دمرت عشرات الأفلام الأخرى عواصم دول مثل موسكو، برلين، طوكيو، باريس، وغيرها.. ووزعت تلك الأفلام في دور السينما العالمية وحققت مداخيلا ونجاحا جماهيريا، ولم يقل أحد أنها إهانة أو تخطيط للتدخل الأمريكي، لأن الأفلام صناعة اقتصادية لشركات عملاقة يهمها أولا تحقيق إيرادات في شبابيك التذاكر أو البوكس أوفيس.
.
السينما الأمريكية خيال بمداخيل تفوق 11 مليار دولار سنويا
السينما التي قالت سفيرة أمريكا في الجزائر ردا على تخوف الشعب من تدخل نووي أمريكي، أنها مجرد خيال ،هذه الصناعة سوق رهيب يبلغ مدخوله ١١مليار دولار سنويا.
فشركة يونيفرسال لوحدها قدر حجم مدخولها السنة المنصرمة بـ 2.44 مليار دولار بـ 23 فيلم أنتج سنة 2015، فيما بلغ مدخول شركة انتاج بوينا فيستا 2.28 مليار دولار سنة 2015 بـ 15 فيلم، أما شركة ووارنر بروذر فحققت 1.3 مليار دولار فيما حققت شركة فوكس مدخولا قدر بـ 1.3 مليار دولار.
شركة يونيفرسال لوحدها قدر حجم مدخولها السنة المنصرمة بـ 2.44 مليار دولار بـ 23 فيلم أنتج سنة 2015، فيما بلغ مدخول شركة انتاج بوينا فيستا 2.28 مليار دولار سنة 2015 بـ 15 فيلم..
لم أذكر كل الشركات التي تمثل هوليوود، بل هذه بعضها التي تمثل اقتصاد السينما الأمريكية التي تتفوق في الصورة والصوت والتكنولوجيا والتسويق في حرية تامة ورأسمالية تعتمد على الحرية في الكتابة والإنتاج والتوزيع والتسويق.
للإشارة تخصص هذه الشركات العملاقة ميزانيات ضخمة لإنتاج أفلام قد تصل إلى الملايين، فمتوسط تكاليف الإنتاج بهوليوود مائة مليون دولار للفيلم، بل بلغت ميزانية بعض الأفلام مائتي مليون دولار مثل فيلم أفاتار الذي حقق مداخيلا رهيبة ونال ثلاث جوائز أوسكار.
هوليوود دولة، بل إمبراطورية ضخمة حتى الحكومة الأمريكية لا يمكن لها أن توقف فيلما أو تتدخل في اتجاه سيناريو ما، فبعد صدور فيلم عميل وكالة الأمن القومي السيد سنودن، الأسبوع المنصرم، والذي عرّى وفضح بعض السلوكات والتدابير والإجراءات الاستخباراتية، لم تقم أية جهة بتوقيف عرض الفيلم أو التدخل في اتجاه السيناريو أو أبعاده السياسية والوطنية، فقد صرح أحد مسؤولي وكالة الأمن القومي أن ليس كل تصريحات سنودن في الفيلم صحيحة.
وبالعودة إلى ما أثاره “برومو” الفيلم الأمريكي وتحوله إلى قضية رأي عام اشتركت فيه القنوات والجرائد ورواد الفايسبوك، مما جعل السفيرة الأمريكية تتدخل وتعد الجزائريين بعدم ضرب الجزائر بالسلاح النووي، مؤكدة أن الفيلم خيال، مجرد خيال، وهو رد دبلوماسي فيه كثير من اللباقة والمزاح.. وهو رد يؤكد من جانب آخر أننا مجتمع قليل الخيال، قليل السينما والفنون، لم تتعود العائلة فيه على سهرة “الويكاند” في إحدى دور السينما كما تفعل العائلات الأمريكية، بل وحتى بعض المجتمعات العربية.
للإشارة كان مستوى تفاعل الجزائريين مع مقطع الفيلم الأمريكي تفاعلا عاطفيا سياسيا لا علاقة له بالتفاعل الفني والسينمائي. للأسف الجزائر توقفت عن إنتاج صورة جميلة وتنمية مخيال الجزائريين وذوقهم السينمائي.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 6087
نعم الافلام خيال والخيال قد يستعمل كسلاح لغسل العقول…تسمية الرئيس الجزائري ”بيشارا” في الفيلم والمجموعة الارهابية شهداء الصقر هي تشبيهات خبيثة التشبيه ببشار وتشبيه بشهداء الاقصى ونحن نعرف من يسمي شهداء الأقصى بالارهابيين.
المسلسل له انصاره ومتتبعيه بالملايين فهل هو خيال جميل معاملة الجزائر كجمهورية موز ونعت رئيسها بالكاذب وجيشها بالمتواطيء مع الارهاب؟
السينما ليس مجرد صناعة للمال وللمتعة بل لتوجيه الناس كذلك.
على الاقل لو اعطوا اسم خيالي للبلد لكان ذلك مفهوما.
السفيرة لم تشر الى الموضوع الا في رد على تغريدة جزائري يلومها وهي لم تقل لا تخافوا بل قالت انا آسفة أن الجزائريين ليسوا سعداء بالمسلسل لكنه مجرد خيال.
مرة شاهدت فيلم حول اختطاف طائرة في الجزائر وعندما اراد امريكي أن يسافر الى الجزائر قالت له والدته لا تذهب فهناك شعب مجنون!! هل هذا خيال؟
المفارقة كيف أن حكومة امريكا تشيد بالجزائر وبصداقتها وتعاونها في مكافحة الارهاب بينما مسلسلاتها تصور الجزائر كراعي للإرهاب….وكمتفرج امريكي هل اصدق الحكومة ام المسلسل الخيالي؟
الميديا قوية ولها تاثير رهيب على الناس.
اذن فليس هناك غباء او جياحة الاهتمام بالامر كما اقترح البعض،بل هي وجهات نظر يجب احترام اصحاب إنتقاد المسلسل.
شكرا على الشرح الوافي حول صناعة السينما الأمريكية،للأسف السينما في بلادنا ماتت من زمان.
تعليق 6089
هل تعرف العقل المجرد و العقل الباطن ؟
يا اخى الاولى ان تعرف محتوى و مكونات دماغك قبل ان تتكلم عن السينما
هل من المعقول ان تتكلم عن قصر و محدودية شعب باكمله و انت ادكاهم ؟؟؟؟ اتقي الله و حاول ان تعرف معنى العقل الباطن و كيف يتم التحكم فيه “هتلر اثناء الحرب العالمية الثانية خانه 3 من ضباطه فوضعهم في سجن مهجور كل مقيد في زنزانة لوحده و اخبرهم انه سيقتلهم بتسريب غاز سام و تركهم و دهب بعد 24 ساعة عاد فوجدهم قد ماتو جميعهم بالرغم من عدم وجود الغاز اصلا هل تعرف لمادا ماتو ؟؟ ببساطة لان عقولهم الباطنة لما سجلت و جود غاز سام و كانت اجسامهم مقيدة بدات عقولهم في التضحية بباقي اعضاء الجسم لغرض حماية الدماغ و بعد فترة وجيزة ماتو
هل تعلم ماللدي قتلهم الان ؟؟ قتلتهم عقولهم يا دكي