زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

المحمول.. بَطل الأحداث من صدام إلى سيدي بوزيد

المحمول.. بَطل الأحداث من صدام إلى سيدي بوزيد

لطالما تغنت النظرية السلطوية في مضمار الإعلام، بـ"صرامة" حارس البوابة الذي لا يفلت منه شيء، ولطالما تحدثت النظرية الليبرالية عن حرية إعلامية، تبين بعد حين أنها حرية تخضع لمنطق الأقوى ومصلحته، وعمل أصحاب النظريتين على الحفاظ على "ممتلكاتهما" قدر المستطاع، لكن ماردًا ما ظهر فجأة بعد فرْكة في فانوس التكنولوجيا.

لم يكن ذلك المارد سوى الهاتف المحمول ذو الكاميرا، هذا الذي فعل الأفاعيل ودوخ السلطويين والليبراليين من أدعياء الصحافة وحريتها ومبادئها.

كان الظهور الإعلامي المدوي الذي سجله المارد، ذات 30 ديسمبر 2006، بعد فجر عيد الأضحى الذي وافق إعدام الرئيس العراقي السابق صدامحسين.

 

فخلال نشرة أخبار بثتها قناة الجزيرة القطرية، سألت المذيعة السياسي العراقي موفق الربيعي عن حالة صدام النفسية قبيل تنفيذ حكم الإعدام فيه، فقال إن الرجل كان متوترا وخائفا، ولم تلبث أن جاءت نشرة أخبار الساعة الموالية على القناة لتحمل الجديد، وكانت الصّور المتحركة الأولى التي أظهرت لحظات إعدام صدام وأجواء القاعة التي نُفِّذ فيها الحكم.
وفي اللحظة، عاودت المذيعة الاتصال بالربيعي قائلة “سيد ربيعي، قلت لنا قبل قليل أن صدام بدا متوترا وخائفا، لكننا شاهدنا في صورة الهاتف المحمول رجلا واجه الموت بشجاعة؟؟”.

كان هذا المشهد وتلك العبارات بداية ظهور عصر إعلامي جديد اعتمد البيّنة ضد المدعي، ودحض أي تقوّل أو إخفاء بالصوت والصورة، عن طريق جهاز يُحمل في الجيب الصغير، قادر على أن يفضح ما لم تطله عيون وآذان ومجسات كبريات أجهزة الاستخبارات في العالم.

وأيا كانت الأهداف من وراء نشر صور إعدام صدام، وأيا كانت مواقف الأطراف -على اختلاف توجهاتها- فإن الصيد كان ثمينا، وهو الحصول على الصوت والصورة ونشرهما للرأي العام، بغض النظر عن الثمن المدفوع أو التآمر المنسوج لتصوير ما جرى.

واتضح من خلال “التعنيف” الأمريكي الذي لحق منفذي الإعدام، حول الأجواء اللاإنسانية التي أحاطت بغرفة التنفيذ، وبصفة أكبر بشأن إدخال الهاتف المحمول إلى مسرح العملية، اتضح أن الليبراليين يحسبون ألف حساب لتلكم الكاميرا الصغيرة “المحشوة” في هاتف.

وهكذا، وجّه المارد أول بطاقة حمراء للدكتاتوريين والليبراليين في العالم، وأنذر كل من تسول له نفسه محاولة كتم أنفاس الحقيقة أو التعتيم عليها، بالفضيحة على الملأ.

 

ثم جاءت أبو غريب، وفيها فعل المارد ما جعل الأمريكيين يترحّمون على ما جرى في غرفة الإعدام، واستشاطوا غيضا وغضبا، لكن الأمر كان قُضي، واستيقظ العالم على سادية ومِثلية ظنهما موجودتان في أسطوانات هوليود فقط.

كل الصور التي نقلت الفضائح الجنسية وأخبار التعذيب من داخل سجن المطار استرقها الهاتف المحمول، استرَقها بأيد أمريكية كانت تتسلّى، حسبت الأمر مجرد مزحة بين زملاء العسكرية في مستعمرة نفطية جديدة، تماما مثلما كانوا يتسلون في فييتنام ولاووس حيث لم يكن المحمول موجودا، وفي أفغانستان حيث لم يستطع التسلل، بعد أن أحكموا قبضتهم على البوابات.. كل البوابات.

وقبل أسابيع، فضح المارد المحمول هراوات مصالح الأمن الكويتية وهي تنهال على نواب الشعب عند مدخل بيت أحدهم كان ينظم ديوانية مفتوحة، ونقل لنا – عبر الجزيرة- صراخ النواب ودماءهم، وهم يصطرخون هربا من الهراوات المتهاوية عليهم، وكان مشهدا عكس درجة “التضايق” التي تعانيها الحكومة الكويتية جراء سيل المساءلات التي يمطرها بها أولئك النواب.

صور المحمول وإن تسببت في ضرر كبير للجزيرة، إذ أفقدتها موطئ قدم في الكويت وحرمتها من مكتبها هناك، إلا أنها مكنت المشاهد العربي من أن يرى كيف تعامل الحكومات العربية النواب في الجهر.. وكيف تعاملهم في السر، بعيدا عن عدسات الكاميرا، لكن ليس أبعد عن عين المارد الصغير

ثم جاءت تونس، وما أدراك ما تونس.. فإن كان لأحد الفضل كل الفضل في التّحول العظيم الذي حدث فيها- بعد إذن البوعزيزي رحمه الله- فإن الفضل سيعود حتما للهاتف للمحمول.

فهو وحده كان الوسيط بين تونس والعالم، حين كان بن علي يدفع عن نفسه ونظامه وعائلته أمواج الغضب الهائجة، دون أن يفلح أخيرا.. نقل المحمول صور المناوشات الطفيفة بين  الشباب والشرطة في أزقة سيدي بوزيد الصغيرة سويعات بعد أن أحرق البوعزيزي نفسه، وهو الذي واصل نقل صور تحوّل المناوشات إلى احتجاجات في ولاية سيدي بوزيد كلها، ثم راحت الصور تتوالى علينا تترى، بين الرؤوس التي فجرها قناصة بن علي بالرصاص الحي والأرجل التي أكلتها هراوات شرطته الشرسة.. إلى أن وصلنا بوابة وزارة الداخلية، عشية قال الشعب كلمته.

بن علي يزور البوعزيزي قبل وفاته

 

هنا غادر المارد الساحة، تماما مثلما غادرها البوعزيزي بأمر الشرطية التي صفعته قائلة “غادر الساحة”، لكنه لم يغادرها ليندب حظه، ولكن ليعود ومعه جحافل التونسيين الأحرار، كذاك غادر المارد الساحة ليعود ومعه العدسات الكبيرة، بعد أن أنهى مهمته بنجاح في ظروف تكره النجاح، لكنه حتما لن يغادر الساحة إلى الأبد، لأن مهمته تملي عليه أن يبقى متأهبا..

ads-300-250

3 تعليقات

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

  • تعليق 1603

    عمرو لبيب

    المتجول الذى أسقط نظام التحول
    محمد البوعزيزى الشاب التونسى الجامعى والعاطل عن العمل مفجر ثورة تونس هل كان يعلم أن موته سيكون الحدث الاعظم فى تاريخ شعبه بل وفى تاريخ الشعوب العربية .
    مات البطل دون ان يعلم نتيجة موته . وأعتقد انه لو كان يعرف ماسيحدث من قبل لسارع باحراق نفسه ولتضامن معه عدد كبير من الشعب التونسى باحراق نفسهم قبل وقت طويل .
    كانت الصفعة التى استقبلها ذلك الشاب من قبل شرطية بعدما قلبت له عربة الفاكهة التى كانت مصدر رزقه وعائلته هى الحافز فى ذلك العمل الانتحارى الذى كان هو الاخر الحافز لانتفاضة الشعب التونسى والذى تم على اثره سقوط النظام السابق وهروب بن على الى المملكة العربية السعودية بعد أن رفضت العديد من الدول استقباله حتى فرنسا وامريكا الحليفتين له رفضتا استقباله قبل خطابه الأخير الذى ينم عن جهل كان جليا بكلماته فقد اضحكنى كثيرا عندما قال الان فهمتكم وأعرف ماذا تريدون وكرر هذه الكلمة أكثر من مرة بصوت مضطرب ومتردد . الان فقط فهم شعبه وأين كان طيلة بضعة وعشرون عاما وكيف أنه لم يستطع فهم شعبه طيلة هذه المدة وكيف كان يحكمهم دون أن يفهمهم .
    لقد كان الخوف جليا فى صوت بن على عند خطابه كان يعلم جيدا ان انتفاضة الشعب من المستحيل اكباح جماحها لذا قرر أن يهرب خلسة وأن ينفذ بجلده كان يعتقد أن فرنسا سوف تأويه لكن هيهات فرنسا تعلم جيدا أن هذه انتفاضة شعب – إنتفاضة جياع ومن الصعب اخمادها مثلما حدث بفرنسا عام 1789 وأكاد اجزم أن الشابى الشاعر التونسى لما قال اذا الشعب يوما أردا الحياة – فلابد أن يستجيب القدر – ولابد لليل أن ينجلى – ولابد للقيد أن ينكسر . كان يقصد بها شعبه وكانه يعلم انه سوف ياتى اليوم الذى يريد الشعب التونسى فيه الحياة ويستجاب لهم القدر وينجلى لهم الليل ويكسروا كل القيود مرحا لهم مرحا لذلك الشعب العظيم والعاقبة الى كل حكماء الدول العربية وليعلموا أن بكل دولة الالاف من البوعزيزى طالما كان هناك بن على

    • 0
  • تعليق 1604

    أحمد أمين

    فعلا هو واقع مر يؤسف له، يعيشه المواطن العربي ليس في تونس فقط و إنما في كامل الدول العربية دون استثناء.
    والحقيقة المؤلمة و الأشد إيلاما هي ثمن هذه الحرية التي أرادها الشعب التونسي الذي كان دما و ليس ياسمينا فأرجو أن لا يذهب دم البوعزيزي الغالي سدى وليعش شعب تونس في سلام إن شاء الله.

    • 0
  • تعليق 196

    سمية سعادة

    و انا أستعد لكتابة تعليق على مقال زميلنا مسعود هدنة قرات خبرا نقلته بعض المواقع مفاده ان تمساحا ابتلع هاتفا محمولا لزائرة كانت ستلتقط صورا له ومن يومها امتنع التمساح عن الاكل ، و الغريب في الامر ان صاحبة الهاتف قالت انها عندما تتصل برقمها الذي ” ابتعله ” التسماح كان يرن داخله “يبدو انه ابتلع هاتفا باهض الثمن لذلك امتنع عن الاكل …”
    وبعد هذه الحادثة ليس هناك شك في ان المحمول المزود بكاميرا اصبح يشكل خطرا ليس على التماسيح ” الحيوانية ” و حسب و انما على التماسيح ” البشرية ” التي يبدو انها ستجند قوات خاصة” لابتلاع “الهواتف المحمولة ….

    • -1

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.