بداية 1996 وبعد أن وقّع المرحوم مهري على اتفاقية سانتيجيدو رفقة بن بلة وآيت أحمد وجاب الله وحنون والبقية، بدأت الجهات الوصية حينها تشتغل عليه علها تجد له فضائحا أو ملفات أو ممتلكات خارج القانون أو حسابات بنكية في الخارج أو عمارات وعقارات أو شركات باسمه أو باسم أولاده، فكانت دهشة المحققين ومن ينتظر تقاريرهم كانت كبيرة..
لم يعثر للرجل سوى على بيته الذي باعه بداية الألفية لعلاج زوجته، وسيارة، ومرتب تقاعد تعيس لا يرقى الى ما قدمه الراحل من تضحيات قبل وبعد الاستقلال، وهو من هو.. صهر للرئيس الراحل الشاذلي بن جديد ووزير سابق وسفير في فرنسا وبعدها في المغرب وأمين عام للحزب الحاكم، ورجل من الجيل الذي كان يستطيع أن يصبح من أثرى أثرياء البلد.. رجل كان يمكن أن يقول كن فيكون عندما يتعلق الأمر بالامتيازات والممتلكات..
فكرروا المحاولة في الداخل وفي الخارج فمستحيل -حسبهم- أن تجد رجلا بكل هذه النظافة في هذا الزمن وفي هذا الوطن..
روى لي أحد الأوفياء لمهري أن المرحوم جاءه إلى البيت في تلك الأيام العصيبة مهموما ومنهارا نفسيا، وقال له: هلكت (..) فلما سأله صديقي، ما الخطب؟..
قال لي صديقي دهشت مرتين، الأولى كيف لقامة مثل مهري أن لا يكون لديه ممتلكات وامتيازات أخرى مثل غيره، والثانية كيف يلاحق بهذه الوقاحة من أجل خربة في رأس جبل..!
قال مهري.. كنت قبل سنوات قد استأجرت “شالي” في أعالي الشريعة تابع للبلدية بمبلغ رمزي مثلما كان يفعل كل المسؤولين في المنتجعات وعلى الشواطئ، يقول مهري استأجرته لأختلي بنفسي هناك من حين إلى آخر بعيدا عن ضجيج السياسة، أقرأ أو أكتب أو أستقبل ضيوفي، ولكثرة أشغالي تهاونت عن دفع أجرة الكراء لقرابة 11 شهرا، فعثرت الأجهزة المحققة على وثيقة تثبت أنني تأخرت في دفع هذا المبلغ الزهيد.
طبعا النتيجة قامت البلدية على الفور بمراسلة مهري ومطالبته بدفع المستحقات في أقل من 48 ساعة، فجاء مهري إلى صديقه يتوسل إليه أن يدفع المبلغ في الصباح الباكر لإنهاء هذه المشكلة ولم يكن المبلغ مجملا يتجاوز 17 ألف دينار لا غير.. قال لي صديقي دهشت مرتين، الأولى كيف لقامة مثل مهري أن لا يكون لديه ممتلكات وامتيازات أخرى مثل غيره، والثانية كيف يلاحق بهذه الوقاحة من أجل خربة في رأس جبل..
يقول لي صديقي ابتلعت ما فكرت فيه حينها وسارعت لدفع مستحقات الإيجار لحماية ظهر المرحوم، لكن السيف كان قد سبق واستطاع بعض خصومه داخل الأجهزة أن يسربوا الخبر لإحدى صحف الاستئصال التي كتبت بالبنت العريض أنه يتعين على مهري أولا دفع مستحقات إيجار “الشالي” التابع للدولة الذي يشغله قبل أن يعطينا دروسا في الأخلاق من سانتيجيدو؟؟؟..
بعدها بأسابيع تحركت الأرض تحت أقدام المرحوم وجاء بعض أوفيائه إليه، يعتذرون له على خياناتهم في جنح الظلام تحت القهر، وظل الرجل يطالب بحقه في عرض التقرير المالي والأدبي للحزب أمام اللجنة المركزية إلى أن توفاه الله، شريفا نظيفا معافى من أمراض السلطة والمعارضة.. ولذلك ظل قويا وشجاعا في مواقفه إلى أن لقي ربه.
رحم الله أستاذ الجيل
عبد الحميد مهري الأمين العام لجبهة التحرير الحقيقية يضع النقاط على الحروف فيما يخص الوضع المزري الذي سارت عليه البلاد …لكن لا حياة لمن تنادي.
Publiée par Zamo Rano sur Dimanche 23 décembre 2018
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.