مررت بمقر السفارة التونسية التي لا تبعد كثيرا عن مقر سفارة الجزائر في عاصمة أمريكا واشنطن، أمام المدخل وعلى الجدار علقت جدارية كبيرة من الخزف الشرقي تحيل الزائر إلى ثقافة البلد وتميزه، ولكن ليس هناك ما يدل على خصوصية الجزائر عندما تقترب من مقر السفارة لولا العلم الذي يرفرف بالقرب من مقر القنصلية..
لا لوحة ولا جدارية ولا أي شي، وعندما اقتربت من مقر القنصلية التي قصدتها من أجل جواز السفر البيومتري، صدمت وأنا أرى النافذة التي تتوسط جدار قاعة الجلوس التي يقصدها من يريد أن يزور الجزائر من الأجانب وتقصدها الجالية الجزائرية، هذه النافذة الكبيرة محطمة، وقد تم إلصاقها وإصلاحها بشريط لاصق، ربما من طرف أحد الموظفين المتعاقدين بالقنصلية.
دخلت القاعة التي تستقبل حتى رجال الأعمال والمهتمين بالسفر واكتشاف فرص الاستثمار بالجزائر، قاعة تشبه مكتبا في مقر حزب صغير بالجزائر، أو مقرات اتحاد الشبيبة القديمة أو إدارة في أفقر بلدية بالجزائر العميقة، أثاث قديم، صور قديمة تعود للسبعينيات، ديكور شاحب يحيل الإنسان للبؤس والفقر وكان البلد من أفقر البلدان.
تصفحت كتاب الشكاوى بعضها يشكر الإداريين المتعاقدين، وبعضها ينتقد وضع المقر الذي يستقبل أعضاء الجالية من عدة ولايات بعيدة ولا يحتوى على أي خدمة كالنت وآلات بيع القهوة والمشروبات، فيما اشتكى مواطنون التقيتهم من البيروقراطية التي تفرضها وزارة الداخلية للحصول على الجواز البيومتري، حيث يحضر المواطن إلى مقر القنصلية لأخذ البصمة والصور وينتظر شهرا أو أكثر ليعود مرة أخرى بتكاليف أخرى حسب بعد منطقة إقامته في هذه الدولة القارة، كما تلزم الإدارة الأولياء أن يحضروا الأولاد فوق سن العاشرة مرتين، وهي تكاليف زيادة على جيوب الأهل ومضيعة للوقت خاصة أوقات الدراسة في بلد الوقت فيه من ذهب..
وأنا في مكتب استلام الجواز وكان العون من ألطف الأشخاص، جاء المكلف بالشؤون القنصلية وهو شاب عُين مؤخراً، لم يكلف نفسه حتى بإلقاء التحية وتجاهلنا وكأننا لم نكن موجودين ؟!
وأنا جالسة بقاعة الانتظار بقنصلية سفارة الجزائر بعاصمة أقوى دولة، أحسست أنني في إدارة أفقر بلد في إفريقيا، أحسست بالشحوب والبؤس يخيم على المقر بل على كل البلد،، وتساءلت بحزن كيف يشعر رجل أعمال أمريكي يقصد القنصلية من أجل فيزا لزيارة الجزائرر التي وصفها أكبر مسؤول فيها بالقوة الإقليمية؟! وكيف يشعر سائح أمريكي تعود على زيارة المغرب وتونس وأراد أن يغير وجهته إلى الجزائر؟!..
أدخل مقرات لجمعيات خيرية ونوادي رياضية بأبسط وأفقر بلدية بأمريكا، أجدها تشع حداثة وجمالا وتطورا..
القنصلية يا وزارة الخارجية هي صورة البلد الأمامية، سواء بشكلها ومستوى خدماتها وتطورها، أو بسلوك سلكها الدبلوماسي ورقيه مع الأجانب ومع الجالية ؟!
خرجت من مقر القنصلية وأنا اشعر بخيبة أمل عميقة، وأتذكر مقرات السفارات العربية الأخرى غير البعيدة عنها، وكيف تشهر وتقدم صورة براقة مشعة عن بلدانها وبكثير من المساحيق، وتذكرت كيف تملك الحكومة الجزائرية جغرافيا وتاريخا أبدعت فعلا وبإتقان في تحطيمهما في الداخل والخارج..
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.