الغرافيتي أو الجرافيتي Graffiti هو فن الكتابة أو الرسم على الجدران. وهو في العادة عبارة عن رسومات وشعارات خارجة عن المعتاد ولا تخلو من سخرية، يتم رسمها في أماكن عامة، مثل الجدران والجسور دون إذن مسبق.
ويهدف غالبا إلى إيصال رسائل سياسية واجتماعية. وقد عانى رسامو الغرافيتي من ملاحقات الشرطة وغرامات السلطات لاعتدائهم برسوماتهم على الملكية العامة.
يخطئ من يعتقد أن الغرافيتي فن حديث. فأصوله تعود إلى الحضارات القديمة كالمصرية والإغريقية والرومانية. ولم يتحول إلى فن شعبي له مقوماته إلا بعد خروجه من رحم الثورات الحديثة، كالثورة الفرنسية، وحرب الاستقلال الأمريكية، والثورة البلشفية وأخيرا انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال.
ازدهر الغرافيتي في ستينيات القرن الماضي بنيويورك بإلهام من موسيقى الهيب هوب التي ارتبطت بالطبقات الكادحة وثقافة الأفارقة الأمريكيين، ليعبر عن ثقافة حرة متمردة على الفن الكلاسيكي القديم، أو يرسم شعارات الفرق الرياضية ليعبر عن شعور الانتماء للجماعة الرياضية.
ح.مzoom
على المستوى العربي عرفت كثير من الأقطار العربية فن الغرافيتي. فقد انتعش في ظل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. حيث امتلأت الجدران الفلسطينية بالكتابات والشعارات والرسومات التي تطالب بإنهاء الاحتلال والقمع والحصار المضروب على الشعب الفلسطيني.
حتى أن الفنان الفلسطيني سامي الديك الذي سخر إبداعاته لخدمة القضية الفلسطينية، صار أول فنان فلسطيني يرسم جدارية ضخمة بأحد المدارس الباريسية.
ولأنه اتضح عربيا من التجربة الفلسطينية أن فن الغرافيتي يمكن أن يجسد أحد أهم الوسائل التعبيرية في انتقاد الأوضاع المتأزمة، فقد تلقفه نشطاء الثورات العربية وجعلوه ملازما للكاريكاتير الجداري، يعبر كل منهما عن الحياة اليومية كفن جماهيري بامتياز.
في تونس اشتهر الفنان حافظ خضري الشهير بـ SK – ONE الذي نظم أول معرض له عام 2009.
ح.مzoom
كما اشتهر فنان فرنسي ذي أصول تونسية يدعى السيد (إل سيد) مزج بين الرسم وجمال الخط العربي الأصيل. والنتيجة كانت رسم ضخم شمل جدار خمسين بناية في شارع منشية ناصر بالقاهرة يحمل عنوان: إن أراد أحد أن يبصر نور الشمس فإن عليه أن يمسح عينيه
وقد تأثر به كثير من رسامي الغرافيتي العرب كونه أقدمهم. وشكل هذا أرضية لازدهار هذا الفن كوجه آخر لثورة الياسمين التونسية.
وقد انتشر الغرافيتي قبل وبعد الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس زين العابدين بن علي وكانت الجداريات تحمل مضامين سياسية قوية، كتلك التي ظهرت على جدران مدينة قابس بعنوان: اللعبة لعبة كراسي، والزوالي دفنوه وعينه حية.
ح.مzoom
ظاهريا توحي رسومات الغرافيتي بالسخرية وقلة الجدية، إلا أنها ارتبطت بقوة بثورات الربيع العربي، وكانت مرآة عاكسة لمطالبها.
وقبل أن تزيل السلطات في أقطار الربيع العربي تلك الرسومات التي تؤرخ لتلك الحقبة، كما حدث في مصر قام الدكتور أحمد سليم أستاذ التصوير الجداري بكلية الفنون الجميلة بمصر بتأليف كتاب بعنوان: جرافيتي شاهد على الثورة، ليؤكد من خلاله أن فن الغرافيتي كان عاملا أساسيا في إيصال صوت الغاضبين قبل وأثناء ثورة 25 يناير.
لقد استعمل شباب ثورات الربيع العربي سواء في مصر، أو بدرجة أقل في بقية أقطار الربيع العربي جدران ميادين الاعتصام ليجلسوا أمامها لساعات يرسمون إبداعات كاريكاتيرية ساخرة من الحكام المستبدين ومن السلطة الفاسدة.
وقد استمر الحال في مصر بعد الثورة حينما شعر المصريون أن ثورتهم لم تحقق مآلاتها في ظل حكم الإخوان المسلمين. إذ استمرت أشكال السخرية منهم على شبكات التواصل الاجتماعي حيث سقف العطاء الحر مرتفع.
من المفارقات أن يكون الغرافيتي سببا في قيام الثورة السورية. حين رسم 15 طفلا دون سن 17 سنة على جدران مدرستهم بمدينة درعا السورية عبارة: الشعب يريد إسقاط النظام، كمحاكاة لما رأوه في تونس ومصر، فاعتقلتهم قوات الأمن وعذبتهم، فانطلقت شرارة الثورة من درعا.
ح.مzoom
واستمر استخدام الغرافيتي بين النظام السوري والمعارضة. حيث كانت المعارضة ترسم بالليل ما تقوم قوات الأمن بمسحه أو تشويهه في النهار. واستمر الحال هكذا في غالب المدن السورية حتى حملت المعارضة السلاح.
لقد أصبحت جداريات الغرافيتي بأنحاء العالم مناطق جذب سياحي.
وبعض الجداريات صارت من الضخامة بحيث تغطي شارعا بأكمله، ويشترك في إعدادها عدة فنانين. وقد منح الغرافيتي بعض المدن دلالات سياسية وثقافية.
تغيرت النظرة للغرافيتي في كثير من دول العالم. وصار رساموه يحصلون على التراخيص اللازمة لمزاولة نشاطهم. كما صار بإمكانهم تبادل رسوماتهم وخبراتهم عبر الأنترنت.
حتى في المجتمعات المحافظة كالمجتمع السعودي على سبيل المثال لا الحصر، والذي لا يزال قسم منه يعتبر رسامي الغرافيتي من المرضى النفسانيين، إلا أن هذا لم يمنع من ظهور هذا الفن في مدينة جدة ولو على نطاق محدود. ومن رواده شاب يدعى ضياء رامبو، الذي قام بعد عام 2011 بجولات خارج السعودية للتعريف بنفسه وفنه.
ح.مzoom
بالجزائر برز الفنان مكي دفاس ابن مدينة جيجل الذي زين مدن العاصمة، قسنطينة، سطيف، ومستغانم وغيرها بجداريات لاقت إعجابا كبيرا، منها جدارية مؤثرة للشهيد جمال بن سماعين. وجداريات أخرى لا تخلو من رسائل سياسية.
ما جعل السلطات توجه له قبل سنوات تهمة تخريب الممتلكات العمومية، إضافة إلى تهمة إهانة هيئة حكومية.
كما اشتهرت الفنانة نسرين حوامدي، خريجة معهد الفنون الجميلة، التي ترى أن الغرافيتي لا يحمل فقط مضامين سياسية ولكنه يحمل أيضا رسائل فنية وثقافية وحتى تاريخية.
ورغم الانتشار المحتشم لبعض رسومات الغرافيتي في كثير من المدن الجزائرية، خصوصا منها التي تدعم بعض الفرق الرياضية؛ إلا أنها تشغل فضاءات ضيقة ومنعزلة، وكأنها رسمت بعيدا عن أعين الرقابة.
@ طالع أيضا: شعار “يتنحاو ڤاع”.. الذي ألغى فكرة التوريث
ليظل الأفضل هو تقنين هذا الفن والسماح له بالانتشار وتمرير رسائله السياسية والاجتماعية كمظهر من مظاهر الديمقراطية وتقبل الآخر في إطار الثوابت الوطنية طبعا.
ولما لا تنظيم مسابقات لأحسن رسم وأحسن واجهة، وهذا ما سيعطي المدن الجزائرية وجها مشرقا يجذب إليها الكثير من الزوار على غرار ما حدث في مدن العالم التي تبنت هذا الفن.
ولسنا ندري إن كان العائق هو قلة الفنانين القادرين على القيام بهذا الفن، أم العائق هو كثرة الموانع التي تحد من قدرة هؤلاء الفنانين على التعبير.
بكلمة أخرى: هل الغرافيتي الجزائري غائب أم مغيب؟.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.