يعكس الموقف التركي اليوم تحولا في العقيدة التركية يتماشى ويتناسب مع صعود تركيا وتمدد مصالحها واكتسابها مزيدا من القوة ويكشف امتلاك القيادة التركية لرؤية استراتيجية استشرافية أسست للتحول من دولة غارقة في الديون والفساد الى دولة صاعدة تنافس على التموقع بين الكبار.
وترجع بدايات تحول الخط الموجه للسياسة الخارجية التركية إلى تفكك الاتحاد السوفياتي وزوال الخطر الشيوعي، وكذا توجه الاتحاد الأوربي نحو استراتيجية تعميق البناء الأوربي وتوسيعه.
حيث مثل تفكك الاتحاد السوفياتي في الفكر الجيواستراتيجي نهاية الحاجة للدور التركي داخل الحلف الأطلسي..
أما توجه الاتحاد الأوربي نحو سياسة التعميق والتوسيع فمثل غلق باب الانضمام في وجه تركيا. الأمر الذي دفع تركيا إلى التفكير في إعادة تفعيل الحقائق الهوياتية لضمان تماسك الجبهة الداخلية وإعادة بعث الاعتزاز بالانتماء القومي أولا (يمكن فهم إعادة متحف آيا صوفيا لسابق عهده كمسجد ضمن هذا السياق)، وللتوجه نحو العالم الاسلامي ثانيا (جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق كأذربجان وطاجكستان..، ايران، الدول العربية).
وبالتأكيد أن هذا التوجه لم يغفل العوامل الجيواقتصادية، فالاقتصاد التركي اليوم يتموقع ضمن أكبر 20 اقتصاد عالمي ويحقق معدلات نمو جيدة.
وأكثر من ذلك الأتراك تفطنوا لتأثير القوة الناعمة في العلاقات الدولية فتم تشجيع الإنتاج التلفزيوني والسينمائي الذي احتل قلوب المشاهدين المسلمين (قيامة أرطغل، محمد الفاتح، عبد الحميد الثاني…).
تركيا اليوم تقدم لنا نموذجا يشرح الفرق بين من يملك رؤية للمستقبل تحدد له طريقه، وبين من يتخبط في الفوضى ولا يعرف طريقه.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.