بعد استرجاع جماجم شهداء الثورات الشعبية الجزائرية والتي أتت بمثابة نصر كبير ببعد رمزي عميق في فجر الجزائر الجديدة، فبهذا النصر التاريخي تم استعادة جزء من تاريخنا المنهوب والمسلوب والذي يتعطش له أوفياء الوطن...
لكن هل تتمكن الدولة الجزائرية من استرجاع الأدمغة المهجّرة في كل أنحاء العالم كما فعلت مع الجماجم؟؟؟، أم أن هذا الانجاز صعب جدا بالنظر للبيروقراطية التي تحيط بنا بدءً من عون الحراسة ووصولاً لأعلى الرتب. وهو تماما ما سنقصه عليكم في هذا المقال الذي يتحدث عن العالم العالمي الجزائري بلقاسم حبة ابن الجنوب الجزائري وبالضبط مدينة المغير المدينة البسيطة التي تتلاقى فيها أشعة الشمس مع الرمال، والتي كانت بداية التحدي لهذا العالم الجزائري الذي أنهى فيها تعليمه الابتدائي والأساسي والثانوي… إلى أن أصبح واحدا من أهم علماء العالم…
فقبل أيام قليلة تم تكريم بلقاسم حبة بتحقيقه لبراءة خمسة مائة اختراع مسجلة باسمه دون الحديث عن الاختراعات الأخرى المساهم فيها والتي تتجاوز الألف، ويعد من بين أهم وأكثر العلماء العرب اختراعاً في العالم، وتم تكريمه في الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا الذكية من طرف مؤسسة إكبري كوربوريشن، ولحسن الحظ أن مؤسسة وسام العالم الجزائري كرمته في سنة 2015 ، وكان الفرح والسعادة والسرور يغمرانه بهذا التكريم الرمزي الذي كان على أرض وطنه الجزائر…
لكن وفي خضم تكريمه روى إحدى القصص المؤلمة جدا والتي كانت من بين أسباب مغادرته للجزائر للمرة الثانية والتي قصها حين تكريمه في 2015، فبعد عودته من اليابان والتي كان يعمل بها كمخترع ومدرس بأكبر الجامعات، التحق بإحدى جامعات الجنوب الجزائري محاولا المساهمة في بناء الجزائر، وفي تلك الجامعة والتي طبعا لا إمكانيات لها قدِّم له مقر بمثابة مخبر علمي للعمل فيه لكن تلك الغرفة لا تحوز حينها حتى على كراسي للجلوس ورغم هذا أراد أن يقدم علمه للوطن واستمر في التدريس.
وصل ذات يوم للجامعة مبكرا على الساعة الثامنة إلا ربع وأراد الدخول فرفض عون الأمن أن يدخله للجامعة متحججا بعدم معرفته له وبأنه عليه الانتظار حتى يأتي الفريق المناوب؟؟؟
لكن ما حدث له فيها جعله يغير رأيه حيث صادف أن وصل ذات يوم للجامعة مبكرا على الساعة الثامنة إلا ربع وأراد الدخول فرفض عون الأمن أن يدخله للجامعة متحججا بعدم معرفته له وبأنه عليه الانتظار حتى يأتي الفريق المناوب؟؟؟؟ مقدار الحسرة التي قص بها الحكاية كانت كافية ليضيفها لباقي الأسباب وليهاجر من جديد، لكن الوجهة هذه المرة كانت الولايات المتحدة الأمريكية، وواصل حكايته متأثراً وموضحا الفرق بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة وكيف أنه في الجامعات الغربية التي عمل بها له بطاقة مرور تسمح له بالدخول للجامعة ولمخبره الخاص حتى على الساعة الرابعة صباحاً، في حين تسجل الجامعات الجزائرية اليوم تجاوزات وخيمة بحق الباحثين ويتم الدفع بهم دفعا للهجرة دون الالتفات للخلف… (وهنا لا نلوم من ترك الوطن للبحث عن أفق أوسع لكن نلوم من دفعه ليرى كل شيء أسود فالمسؤولية يتقاسمها الجميع).
بلقاسم حبة اليوم هو واحد ممن يساهمون باختراعاتهم في خدمة البشرية والعالم… ورغم أنه يشارك في الندوة الوطنية حول مخطط الإنعاش الاقتصادي، إلا أن هذا غير كافٍ في حالة عدم استرجاعه مع بقية الأدمغة المهجرة وخلق المناخ المناسب لهم… ففي دول الغرب يتمسكون بهم لمعرفتهم بقيمتهم الحقيقية… ونأمل أن يكون استرجاع الأدمغة الجزائرية من أولويات الجزائر الجديدة كما كان استرجاع جماجم الشهداء رحمة الله عليهم… (للمتابعة).
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 7382
شكرا لك حضرة الدكتورة،
موضوع غاية في الأهمية، بل هو سر نجاح وتقدم أي دولة، العقول المهاجرة، أو المهجرة، والمدفوع بها نحو ترك أوطانها بإتجاه الجامعات الأجنبية..
في بلدان تشهد طفرة علمية عالية ونهضة جد متقدمة في شتى علوم الحياة، بفضل العلم والعلماء!