تتنافس العديد من الدول العظمى والإقليمية على الظفر بأكبر قدر ممكن من الاستثمارات في إفريقيا، في ظل تنامي العولمة الاقتصادية.. ففي كل سنة تنظم منتديات الإستثمار في إفريقيا على غرار منتدى: إيران، تركيا، الصين، اليابان، العرب، وفرنسا الذي سينتظم هذه الشهر، وأخيرا منتدى الاستثمار الإفريقي المنتظم يوم 3 ديسمبر 2016 بالجزائر الذي يعد حدثا بارزا في نظر خبراء المال والأعمال توج نهاية هذه السنة.
وبهذا اللقاء تكون الجزائر قد عادت إلى “إفريقيتها” بعد غياب دام أكثر من ثلث قرن، ترك المجال واسعا لقوى لا تربطها أية صلة بإفريقيا، بل تبعد عنها بآلاف الكيلومترات، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الصين التي تبنت استراتيجة تغلغل من 8 محاور أقل ما يقال عنها أنها “مقتبسة” من استراتيجية الجزائر!؟
الصين اقتبست في وضح النهار علامات كبريات السيارات والبنايات والمعالم السياحية، فقد اقتبست مثلا نموذج قرية سياحية في هولندا يعود تاريخها إلى عدة قرون، واقتبست برج إيفل الفرنسي وأبو الهول المصري، فكيف لا تقتبس في اعتقادنا التجربة الجزائرية؟..
كيف لا وأن الصين اقتبست في وضح النهار علامات كبريات السيارات والبنايات والمعالم السياحية، فقد اقتبست مثلا نموذج قرية سياحية في هولندا يعود تاريخها إلى عدة قرون، واقتبست برج إيفل الفرنسي وأبو الهول المصري، فكيف لا تقتبس في اعتقادنا التجربة الجزائرية؟ علما أن الجزائر لم تول اهتماما لاستراتيجيها بل “تجهل” أنها في غاية الفعالية لو اهتمت بها أكثر، كذلك الشخص الذي يحمل ماسة ولا يعرف أنها ذات قيمة تعد بملايين الدولارات!
لقد استخلص خبراء المال والأعمال أن الصين وضعت خطة من ثمانية محاور مكنتها من التوغل في إفريقيا وهي:
1/ توظيف منهج العولمة الاقتصادية:
العولمة ليست بالضرورة في صالح أمريكا، فقد استغلت الصين هذا المنفذ لما تملكه من ناصية العلم والصناعة لولوج إفريقيا. الجزائر لم تنتظر العولمة لدخول أسواق إفريقيا بل كانت حاضرة من الخمسينيات لكن دون فعالية رغم مؤهلاتها الاقتصادية والصناعية.
2/ عدم التدخل في شؤون الدول:
عملت الصين دوما على عدم التدخل في النزاعات الإفريقية، وعدم تقوية أي طرف على الآخر، وهو ما يدخل في عقيدة الجزائر الثابتة منذ عقود، حتى صارت بمثابة العاصمة المفضلة لاحتضان مؤتمرات الصلح، بل حتى دولة قطر تفطنت لهذا الباب وحذت حذو الجزائر، باحتضانها عدة لقاءات إفريقية منها تسوية نزاع دارفور بالسودان …
3/ تقديم المساعدات غير المشروطة:
تقدم الصين مجموعة من المساعدات الإنسانية دون استثناء كحسن نية في تقارب العلاقات الصينية الإفريقية، الشيء نفسه تقوم به الجزائر فهي السباقة دوما في تقديم يد العون دون شرط وخاصة في المناطق المتضررة جراء الجفاف والفيضانات والنزعات.. بل محت ديون مجموعة من الدول الإفريقية في الوقت الذي كان يجب تحويلها إلى استثمارات.
4/ ملء الفراغ الاقتصادي:
اخترقت الصين كل حصار ضربته أمريكا والغرب على الدول “المارقة” ومن بينهم السودان الذي ما يزال يعانى كثيرا.. مما مكن الصين من وضع يدها على البترول السوداني في غفلة من أمريكا والغرب، الجزائر التي لم تلب نداءات السودان احتراما للقرارات الأممية !؟ ففوتت على نفسها فرص استثمارية تفاضلية كبيرة، لكنها تفطنت لها مؤخرا في ندوة الاستثمار حيث أمضت عقود مهمة في مجال الطاقة.
5/ انتهاج أسلوب الشراكة التنموية:
تعمل الصين على الشراكة التنموية مع الدول الإفريقية بتقوية البنية التحتية من طرقات وجسور ومساكن في استثماراتها، على خلاف الدول الغربية التي تفضل استنزاف الموارد الباطنية للقارة.
الجزائر من جهتها عملت كثيرا في العقود الماضية على إقامة عدة شراكات على أساس التنمية المشتركة ومن أهمها ما قامت به في دول الجوار وأنغولا ..
6/ مساندة الدول الإفريقية في المحافل الدولية:
وقفت الصين إلى جانب الدول الإفريقية بفضل وزنها الثقيل في المحافل الدولية، وبالأخص امتلاكها حق استعمال الفيتو.
الشيء نفسه ما تزال تمارسه الجزائر رغم أنها لا تملك نفسه وزن الصين، فهي تجند العديد من دول العالم في المحافل الدولية بفضل مكانتها لشرح الموقف الإفريقي والدفاع عنه.
7/ تفادي الخلاف مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية :
تفادت الصين عدم الدخول في صراعات مع الغرب وأمريكيا في منافسة ما يسمونه مجالهم الحيوي.
الجزائر أيضا كانت تعمل على أن لا تدخل في صدام مع فرنسا بالأخص، فيما تعتبره “حدائقها الخلفية” فقد كان كلا البلدين يتجنبان الإحتكاك، بل أن فرنسا كانت دوما تتهم الجزائر بالتحريض ضد المستعمر القديم.
8/ نشر الثقافة الصينية في إفريقيا:
تعمل الصين على التعريف بثقافتها المتعددة باستقطاب المثقفين الأفارقة للتكوين في الصين، بما فيهم الفنيين، فهي تستقبل سنويا نحو 4 آلاف تقني من مختلف الدول الإفريقية لتأهيل اليد العاملة التقنية.
الجزائر التي رغم أنها ما تزال تحظى باحترام الشعوب الإفريقية لنضالها من أجل تحررهم من قيود الاستعمار والهيمنة، فلم يتعد حجم التجارة بينهما نصف مليار دولار!؟ وفضلت التوجه إلى الشمال الذي لم يمنحها أي شيء جدير بالتثمين..
وهو ما تفعله الجزائر منذ عشرات السنيين، وخير دليل تكوينها لإطارات الأمن والجيش الأفريقي بالأكاديمية المتعددة الأسلحة في شرشال وفي بمعهد الاتصال والمواصلات السلكية بوهران، واستقبالها سنويا لمئات الطلبة في الأفارقة ربوع الجامعات الجزائرية.
نتائج التغلغل الصيني في إفريقيا:
رغم أن الصين تعاني عراقيل غربية وأمريكية في استثماراتها في إفريقيا وبالأخص من طرف فرنسا، فإنها استطاعت أن تكون أكبر شريك تجاري، إذ بلغ حجم التجارة بين الجانبين 220 مليار دولار في 2014، عكس الجزائر التي رغم أنها ما تزال تحظى باحترام الشعوب الإفريقية لنضالها من أجل تحررهم من قيود الاستعمار والهيمنة، فلم يتعد حجم التجارة بينهما نصف مليار دولار!؟ وفضلت التوجه إلى الشمال الذي لم يمنحها أي شيء جدير بالتثمين، على العكس ما يريد منها أن تكون شراكته مشروطة أو تفاضلية على أقل تقدير على حساب التنافس في مجال الحصول على المناقصات؟ تبين أن الجزائر رجحت الجانب السياسي عن الجانب الاقتصادي في تعاملاتها الإفريقية وهو ما يعد خطأ استراتيجيا !
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.