لاتزال "المعضلة الديمغرافية" تهدد وجود الكيان الصهيوني منذ 118 سنة من تاريخ إنشائه؟ بسبب تراجع عدد المواليد رغم تحفيزات السياسة السكانية لتشجيع الإنجاب لمجابهة الانفجار الديمغرافي الفلسطيني المتواصل، حيث بلغت نسبة النمو السكاني السنوي نحو 1.6% سنة 2012، أي أن هذه النسبة لا تضمن تضاعف السكان كما تشكل الفئة العمرية من 15 إلى 64 سنة نسبة 64.2%.
المعادلة بسيطة بالنسبة للكيان العبري في طرحها مفادها “المزيد من الصهاينة في أرض الميعاد، مقابل تهجير أو قتل أكبر عدد ممكن من أصحاب الأرض!؟”، ولا يهم ما يقوله المجتمع الدولي أو الرأي العام العالمي!؟
هذا الهاجس يشتغل عليه الكيان الصهيوني بجميع فئاته السياسية والمدنية والدينية، ولا أحد يختلف حوله ماديا ومعنويا وحتى بالإشهار والتسهيلات الاجتماعية للوافدين الجدد، وقد تزداد شدة طرح “المعضلة الديمغرافية” بقوة إثر كل استحقاق انتخابي.
أول ما أقدم عليه الكيان سنة 1947 هو تعديل الكفة الديمغرافية لصالحه، وذلك بالتهجير القصري في أكبر موجة تهجير ونزوح بشرية عرفها التاريخ فاق تعدادها 800 ألف فلسطيني دفعة واحدة!، وهو ما يمثل نصف السكان الأصليين، لجأوا إلى دول الجوار مشكلين هناك مخيمات في سوريا ولبنان والعراق ومصر والأردن… كما يحاول الآن طمس هوية القدس الشريف بتطبيق سياسة (20-20) أي سنة 2020 ستبلغ نسبة المقدسين 20% فقط، وفي خطوات أخرى اقتلاع عرب 48 من أراضيهم نحو أماكن بعيدة، كل ذلك سيتم بتسهيلات من الدول الأوروبية بقبول الفلسطينيين دون غيرهم كقوة عاملة مهاجرة مؤهلة غيرهم..
70% من المستجوبين الصهاينة صرحوا “أنهم يودون المغادرة في أي فرصة”، مصرحينأن “نار الغرب أفضل لنا من جنة الميعاد”..
لقد قتل الكيان الصهيوني نحو50 ألف شهيد فلسطيني منذ 1929، وتسبب في إعاقة دائمة لعدد مماثل من الشباب حولهم إلى عبء اقتصادي واجتماعي، فضلا عن بناء جدار العار العازل لتقطيع أواصر العائلات الفلسطينية، وفرض الحصار الممنهج على كافة الشعب الفلسطيني، قصد خلق متاعب ومضايقات يومية الخلاص منها هو مغادرة الوطن أو التخلي عن الأرض، وهو المقصود ومن يهم بالمغادرة سيجد من يستقبله في “الدول المشجعة لتهجير الفلسطينيين دون غيرهم”.
وفي المقابل حسب الإحصائيات، استطاع هذا الغاصب جلب نحو 3 ملايين مستوطن مغرر بهم على مراحل يشكلون 80% من مجموع السكان المقدر عددهم بـ 8.2 مليون نسمة حسب إحصائيات 2014، وهي القوى السياسية المهيمنة، باعتبار أن من أبرز قادتهم مهاجرين نذكر من بينهم: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القادم من بولندا، الذي أوصلته سياسته المتطرفة إلى الحكم للمرة الرابعة، وليبرمان وزير الدفاع من مولدافيا.
وقد كان أكبر تدفق بشري جاء من الدول الشرقية غداة سقوط جدار برلين سنة 1986، وبالأخص من روسيا بنحو 900 ألف نسمة مؤهلة علميا وفنيا، ثم جاءت عملية “تهريب” قبيلة الفلاشة بأكملها من السودان المقدرة بنحو 5 ألاف نسمة، كما تمكن الكيان من استقبال 26500 مهاجر سنة 2014 و30 ألف سنة 2015 أتوا من كل أصقاع الأرض حسب بيان وزارة الهجرة.
يولي الكيان الصهيوني اهتماما كبيرا لحل هذه المعضلة الديمغرافية التي خصص لها وزارة تسيير شؤونها، تساعدها جمعيات أهلية ووكالات تنشط بالداخل والخارج هدفها إقناع المزيد من الصهاينة بالالتحاق “بأرض الآباء والأجداد”، لدعم المجهود الأمني والاقتصادي للوطن الأم من جهة، وللتخلص من اليد العاملة المحلية الفلسطينية المقدرة بـ 120 ألف عامل و300 آلف أجنبي من مختلف الجنسيات من جهة أخرى.
للتعبير على مشاعر “الهربة” عادت بقوة أغنية “برلين” التي اشتهرت في الخمسينيات، تغنى بها اليهود المقيمين هناك، للهروب من جحيم الحرب العالمية الثانية، وهاهم الآن يتغنون بها لكن هذه المرة لحفاوة استقبالها لهم..
وكانت وزارة الهجرة قبل أحداث “شارلي إيبدو” وضعت مخططا لاستقبال 15 ألف مهاجر من فرنسا وحدها على امتداد ثلاث سنوات 2015-2018، باعتبار فرنسا تمثل ثاني خزان بشري بعد أمريكا وروسيا بـ 600 ألف يهودي، لكن بدأ واضحا أنه من بين فوائد “عمليتي شارلي وباريس” فتحت شهية العودة الكثيفة والسريعة إلى “أرض الميعاد” أكثر مما خطط له وحتى فرنسا “تحبذ” التخلص من هؤلاء تجنبا لمتاعب “احتكاكهم” مع اليمين المتطرف والجيل الثاني من المهاجرين العرب وبالأخص الجزائريين.
لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث تراجع حل “معادلة المعضلة الديمغرافية” لسببين إثنين الأول اقتصادي والثاني أمني، بعد أن تقوت شوكة المقاومة في كل من لبنان وفلسطين في وقت تراجع فيه النمو الاقتصادي للكيان الصهيوني، مما حتم عليه رفع ميزانيته العسكرية إلى 10 مليار دولار على حساب ميزانيتي الصحة والتعليم التي كثيرا ما تباهى بفعاليتهما ضمن مجموعة دول المشرق العربي، خاصة وأن الكيان الصهيوني احتل مرتبة جيدة هذا العام (المرتبة 18 عالميا) في مؤشر التنمية البشرية وهو مقياس رفاهية الشعوب.
تشير توقعات نظرية “زوال إسرائيل” إلى هروب ما يقارب مليوني صهيوني نحو أوروبا مابين سنة 2020 و2025؟..
لقد بدأ قطار الهجرة العكسية يدوي عاليا، حتى أن 70% من المستجوبين الصهاينة صرحوا “أنهم يودون المغادرة في أي فرصة”، مصرحينأن “نار الغرب أفضل لنا من جنة الميعاد”، وفعلا غادر نحو مليون مستوطن من خيرة بني صهيون نحو الدول المتقدمة.
ومن جهة أخرى تشير توقعات نظرية “زوال إسرائيل” إلى هروب ما يقارب مليوني صهيوني نحو أوروبا مابين سنة 2020 و2025؟
ومن جهته وصف رئيس الوزراء إسحاق رابين 1922-1995 هؤلاء الهاربين بأنهم “أحقر أنواع الطفيليات”.
وللتعبير على مشاعر “الهربة” عادت بقوة أغنية “برلين” التي اشتهرت في الخمسينيات، تغنى بها اليهود المقيمين هناك، للهروب من جحيم الحرب العالمية الثانية، وهاهم الآن يتغنون بها لكن هذه المرة لحفاوة استقبالها لهم، كلمات الأغنية مفعمة بالحميمية، تقول في مقطعها الأول “برلين برلين وإن نسيت يدي اليوم سآتي إليك يا من تنتظرين، رائحة اليورو والسلام والنور..”.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.