مواسم هذه السنة والأعياد ليست كغيرها في السنوات السابقة فما حملته معها جائحة كورونا غيرت الكثير من الحسابات، وحتى أن هناك دعوات غريبة لإصدار فتاوى قد لا يصيغها العقل ولا ترضاها الوجدان ومنها إلغاء سنة النحر وفي هذا تجاوز كبير لبعض الأصوات المعادية للدين، فأضحية العيد ليست لحما أو أكلا إنما هي شعيرة من شعائر الله التي يجب أن تعظم، وهذا ما أكدت عليه اللجنة الوزارية التي دعت إلى تعزيز الإجراءات الوقائية والحرص على تعقيم أدوات الذبح والسلخ، واجتناب تبادلها والتقليل من عدد المشاركين في عملية النحر، وكذا الالتزام باستعمال القناع الواقي في كل المراحل المتصلة بالأضحية من وقت الشراء إلى نهاية العملية.
تذبذب عملية البيع والشراء
عاملان أساسيان ساهما في تذبذب عملية بيع وشراء أضحية عيد 2020، فبعد تداول التصريحات المطالبة بمنع شعيرة النحر، ومع قرارات غلق أسواق المواشي وخاصة العشوائية وقلة الحركة بين الولايات بسبب فرض الحجر الصحي، صار نقص العرض واضحا.
فضل الكثيرون في سباق مع الزمن شراء أضحية العيد منذ مدة، مخافة صدور قرار يمنع التضحية، وهذا ما دفع بالمضاربين إلى زيادة الأسعار المرتفعة أصلا…
وقد أجبر بعض الموالين والباعة إلى استئجار محلات ومساحات متوارية عن الأنظار من أجل عرض الماشية مما يضيف هذه التكلفة إلى قيمة الأضحية التي عادة ما تشهد ارتفاعا جنونيا لكن هذه السنة فاقت الزيادات كل التوقعات.
ورغم ارتفاع أسعار الأضاحي لم يجد بعض المواطنين خيارا آخر سوى الاقتناء في وقت مبكر خشية منع النحر من قبل السلطات بسبب وباء كورونا.
إذ فضل الكثيرون في سباق مع الزمن شراء أضحية العيد منذ مدة، مخافة صدور قرار يمنع التضحية، وهذا ما دفع بالمضاربين إلى زيادة الأسعار المرتفعة أصلا، مستغلين بذلك تعلق الجزائريين بعيد الأضحى وتمسكهم بالنحر رغم كل الظروف، حيث لم يتقبل أغلب المواطنين مجرد فكرة إلغاء هذه الشعيرة، فسارعوا لشراء كبش العيد مبكرا.
أسعار مرتفعة ورغبة مؤجلة
صرح محمد بوكربيلة عضو الفيدرالية الوطنية للموالين لوسائل إعلام محلية أن “السوق المحلية فيها ما يكفي ويزيد من المواشي لتغطية طلب المستهلكين من الأضاحي والمقدر بنحو 8 ملايين رأس، مع العلم أن استهلاك الجزائريين لأضاحي العيد لا يزيد عن 5 ملايين فقط، أي بتسجيل فائض قدره 3 ملايين رأس”.
كما أكدت من جهتها وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري بأن الأسعار ستكون منخفضة وفي متناول الجميع إلا الواقع يثبت العكس تماما.
في جولة ميدانية لموقع زاد دي زاد إلى مختلف الأسواق وبعض نقاط البيع منها درارية، خرايسية، بابا حسن، سحاولة، أولاد فايت، بئر توتة، حسين داي والحراش، كانت المعاينة عن قرب.
رغم التوافد الكبير للمواطنين على أسواق بيع أضحية العيد، إلا أن حركة البيع والشراء صارت تعرف ركودا ملموسا سببه الغلاء، ويفسر الموالون أن هذه الأسعار معقولة وهي القيمة الحقيقية للسلعة بهامش ربح صغير جدا مقارنة بما يتكبده مربو الماشية من خسائر…
أين تشهد أماكن بيع الأضاحي حركة نشطة، وبين من لا يلتزم بقواعد السلامة ومن يحترم التدابير الوقائية من ارتداء للكمامة الواقية واحترام مسافات التباعد تعرض مواشي من كل السلالات والأحجام وحتى الأسعار المتباينة والتي تبدء من 2.8 مليون سنتيم إلى 20 مليون، ولكن أغلب المعروض كباش من فئة 5 ملايين سنتيم.
في حين أن الخرفان التي يتراوح سعرها ما بين 2.8 و3.5 مليون سنتيم لا يمكن إطلاق تسمية أضحية عليها نظرا لصغر حجمها ومن يعاينها من فوره ينسحب وما جذبه نحوها في السابق هو سماع سعرها قبل مشاهدتها.
وبين 5 و 6 ملايين سنتيم تبدأ الخرفان بالظهور، في حين تصل أسعار الكباش متوسطة الحجم إلى 8 ملايين سنتيم، وتتعدى أسعار الكباش من الحجم الكبير 09 ملايين سنتيم.
ورغم التوافد الكبير للمواطنين على أسواق بيع أضحية العيد، إلا أن حركة البيع والشراء صارت تعرف ركودا ملموسا سببه الغلاء، ويفسر الموالون أن هذه الأسعار معقولة وهي القيمة الحقيقية للسلعة بهامش ربح صغير جدا مقارنة بما يتكبده مربو الماشية من خسائر وكذا التكاليف الباهظة من علف وأدوية وزد الرعاية والمشقة والعناء لهذه المهنة الصعبة، كما أن الغلاء موجود على كل المستويات وليس سوق الماشية فحسب.
وبالمقابل يؤكد بعض المواطنين أن الباعة يرفعون هامش الربح ليحققوا الثراء على حساب المواطن، وأن الكباش لا تصل إلى هذه الأسعار لو قنعوا بالرزق اليسير، فهامش الربح قد يصل إلى 2 مليون سنتيم، وسعر الأضحية اللائقة من بين المعروضات والتي ترقى لتكون مناسبة لمثل هذه المناسبة هو في حدود 6 ملايين سنتيم رغم أنها لا تستحق هذا الثمن إلا أن الجشع دفع التجار إلى تثمينها بما لا يليق بها مستغلين الظرف.
ومنهم من يقتني الأبقار بمبلغ 12 مليون سنتيم للرأس الواحد وفي ظرف شهرين يعيد بيعه بما يعادل 40 مليون في حين أن تكلفة العناية به لا تتعدى 10 ملايين سنتيم محققا بذلك ربحا بـ 18 مليون سنتيم في غياب الرداع وضعف الوازع.
تصوير: زاد دي زادzoom
المشاركة في التضحية
بعدما تحولت شعيرة النحر الدينية إلى مضاربة اضطر الكثيرون إلى العزوف عن شراء الكبش أو إيجاد حلول بديلة منها الاشتراك في أضحية العيد بين مجموعة من عائلة واحدة أو جيران أو غرباء عن بعضهم، على أن تكون من البقر أو الإبل ( الجمال) ولا يجوز الاشتراك في الأصناف الأخرى من الأضاحي كالكبش والخروف والماعز.
وتجزئ كل من البدنة والبقرة عن سبعة، روي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة، لحديث جابر رضي الله عنهم قال: نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة ـ وفي لفظ: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في بدنة ـ رواهما مسلم، فأقل أي: وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة”.
وبهذا يمكن المشاركة وتوزيع الثمن على المشتركين وستكون الكلفة أقل من شراء كبش وحسب مقدرة المضحي، فلا يشترط أن يدفع الجميع المبلغ ذاته.
كما أن المعروض يوفر أحجام مختلفة وأسعار متباينة حسب المقدرة مع توفير خدمة الذبح والنقل، وهذا ما يمكن إيجاده على مواقع التوصل الاجتماعي.
البيع الالكتروني لأضاحي العيد
عدة مواقع تعرض منذ سنوات خدمات بيع الأضحية لكن هذه السنة قد تكون الطريقة ضرورية ومثلى لو تم الاهتمام بها أكثر وتطوير الخدمة بالعرض المباشر، فضلا عن فتح مجال للتفاوض بين الزبائن والباعة.
لجأ الموالون إلى مواقع التواصل الاجتماعي وأوله فيسبوك حيث تعرض عدة صفحات عامة، أو لحسابات شخصية أغناما وأبقارا مع عرض خدمات ما بعد البيع من ذبح وسلخ وحتى خدمة التوصيل للبيوت.
ومن أشهر هذه المواقع “واد كنيس” الذي يعرض بشكل يومي ومستمر إعلانات حول بيع الكباش وغيرها من المواشي الجائزة للنحر ومن كل ولايات الوطن، وللعارض أن يقدم سلعته على طريقته الخاصة ولو باستعمال اللهجة العامية من أجل إيصال الفكرة، مثل أحد المعلنين الذي كتب: “كباش للعيد ما شاء الله وفي حالة جيدة جدا الصور توضح ذلك، السعر بين 48000 و60000” .
ووصف آخر معروضاته بقوله “سلام، عندنا كباش للبيع بأسعار معقولة، سلعة ماشاء الله قادمة من الجلفة سارحة وماكلة الشعير، الأسعار من 35 إلي 55.. مرحبا بكم.
المكان سوق الخضار والفواكه داخل مرآب السيارات” مع عرض مجموعة من الصور.
كما لجأ الموالون إلى مواقع التواصل الاجتماعي وأوله فيسبوك حيث تعرض عدة صفحات عامة، أو لحسابات شخصية أغناما وأبقارا مع عرض خدمات ما بعد البيع من ذبح وسلخ وحتى خدمة التوصيل للبيوت.
ورغم كل ما يعرض من صور وفيديوهات وإيضاحات إلا أن المعاينة المباشرة قد تعطي رأيا آخر للزبون وتجيب عن كل تساؤلاته.
هل سيفرح المواطن البسيط بالعيد؟
سيقول البعض أن الناس يشترون وعندهم المال، نعم هناك من يشتري وله المال، أو عن طريق الاستدانة أو سحب المدخرات أو بيع أشياء ثمينة يحتفظ بها، لكن الحقيقة الأخرى أن نسبة كبيرة لن تشتري ومع الظروف المادية الصعبة بسبب أزمة كورونا سيفوت الكثيرون فرحة العيد، ولكن أجر الاحتساب قد يكون عوضا من الله.
مجرد سؤال لا يحتاج لإجابة، هل درس خبراء الاقتصاد والمسؤولون عن وضع أجور العمال ولو جزءا يسيرا من أساسيات الرياضيات، لأنهم وضعوا معادلات مستحيلة الحلول، ولو بترشيد النفقات والادخار وحسن التصرف يستحيل أن تغطي المداخيل ولو نصف النفقات، فالدخل الإجمالي للأسر بالكاد يوفر الضروريات دون احتساب الفواتير والإيجار وغيرها من المصاريف بأجر قاعدي يقدر بـ 2مليون سنتيم.
عدد كبير من المواطنين لم ولن يقتنوا أضحية العيد، ومنهم من تملأ الدموع عينيه ولكنها لا تنهمر وهو يعاين الكباش واحدا تلو الأخر ثم ينصرف.
مشهد محزن قد لا ينتبه له البعض ولكنه يتكرر في مختلف الأسواق ونقاط بيع الأضاحي يوميا.
سيقول البعض أن الناس يشترون وعندهم المال، نعم هناك من يشتري وله المال، أو عن طريق الاستدانة أو سحب المدخرات أو بيع أشياء ثمينة يحتفظ بها، لكن الحقيقة الأخرى أن نسبة كبيرة لن تشتري ومع الظروف المادية الصعبة بسبب أزمة كورونا سيفوت الكثيرون فرحة العيد، ولكن أجر الاحتساب قد يكون عوضا من الله.
تدهور القدرة الشرائية للمواطن البسيط والذي يشكل أكبر شريحة في المجتمع ستحرمه من أشياء كثيرة حتى من الخروف الذي كان يقتنيه سابقا بإمكانياته البسيطة، وتراجع الإحسان ومظاهر التآزر الغائبة في حرمان المحتاجين، ولو يدري المحسنون أي أجر سيكسبونه وكم قلوب سيسعدونها وكم من كربة ستزال عنهم لما بخلوا أبدا.
أيام معدودة بقيت على عيد الأضحى ومن يدري لعل الرحمة تجد طريقا للقلوب وتنزل الأسعار ويقتني الذين استنفذت حلولهم كالشراء بالتقسيط أو المشاركة أو المرابطين أمام مراكز البريد المحرومون من رواتبهم.
ويبقى الله أرحم بعبده إذ جعل هذه الشعيرة سنة مؤكدة للمستطيع ولكنه شوق وشغف كل مسلم لتعظيم شعائر ربه.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.