كل من عاش انقلاب جانفي 1992، يتذكّر كيف وقفت "كبريات" الصحف (قليل منها معرّب وكثيرا منها مفرنس) ضد الخيار الشعبي وكيف صفّقت للدبّابة ضد الصندوق، وكان ذلك خيارا إعلاميا مؤسفا، بيّن كيف يتحوّل إعلاميون إلى أعداء لشعوبهم ويصبحون عبيدا في يد العسكر، وهي الصورة التي تجد نقيضها تماما في الحالة التركية اليوم.
منذ نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البلدية والتشريعية (الدور الأول) تصدّت لها أقلام إعلامية بداعي حرية التعبير، وراحت تلك الأقلام تتصيّد أخطاء من جاءت بهم الديمقراطية الفتية ومن انتخبهم أكثر من ثلاثة ملايين جزائري، والحقيقة أن “الانتقاد” الذي كانت تمارسه تلك الصحف لم يكن بداعي حرية التعبير ولكن بداعي العداء الإيديولوجي، وكان على هؤلاء أن يبتعدوا عن مهمّة “العداء” ويكتفوا بواجبهم المهنيّ، لأن الخيار كان شعبيا والشعب وحده المسؤول عن محاسبة وتنحية من انتخب.
سلّم هذا الإعلام رقبته للعسكر، آنذاك، وصار يأتمر بأوامرهم وهو ما جنى عليه فيما بعد وجعله عبدا لهم، بينما دفع إعلام آخر الثمن، اختار أن يبقى في الجبهة الشعبية يدافع عن الخيار الديمقراطي، فكان الثمن مصادرة وغلق عديد الصحف التي لم تُحنِ أقلامها للدبّابة.
هذا الإعلام لم يرتق إلى ما ارتقى إليه الزعيمان عبد الحميد مهري، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، والحسين آيت أحمد، الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية، آنذاك، واللذين احتلا المرتبة الثانية والثالثة على التوالي بعد جبهة الإنقاذ في تشريعيات 1991، حين طالبا الجيش بالعودة إلى الثكنات وترك الأمور في يد الشعب، فقال الحسين آيت أحمد “توقيف المسار الانتخابي قرار انتحاري وضد الدستور ونسميه انقلابا”، وخاطب مهري وزير الدفاع اليمين زروال العام 1995 “ليس من مهمة جبهة التحرير دعم عسكري مرشح للرئاسة”، هذا هو الوعي الذي كان ينقص ذلك الإعلام الإيديولوجي المريض.
هذا الإعلام المريض هو الذي خوّن مهري وآيت أحمد عندما كانا يبحثان عن حل سلميّ للأزمة في روما العام 1994، واتّهمهما بالعمالة لدوائر خارجية وبتدويل الأزمة!! وعبثا حاول ذلك الإعلام الادّعاء بأنه يدافع عن الجمهورية، لكنه في الحقيقة كان يدافع عن “جمهورية الانقلابيين” لا عن “جمهورية الشعب”.
كان بإمكان أولئك الإعلاميين أن يصطفوا مع كل الصحف في خندق الخيار الشعبي، مثلما اصطف الإعلام التركي الليبرالي والوطني والمعارض والموالي والإسلامي والاشتراكي مع الشعب التركي ضدّ الانقلابيين العسكر، ونال بذلك شرف تسمية “صوت الشعب”، فلا يوجد اليوم أي تركي ينتقد صحف أو إعلام بلاده لأنهم رأوا بأعينهم كيف بثت القنوات الفضائية نداء الرئيس المنتخب رجب طيب أردوغان إلى الشعب، ليلة الانقلاب، يطلب فيها من الجماهير النزول إلى الشوارع والمطارات والساحات العامة والتصدّي للدبّابات لأنها ليست “دبابات الشعب”.
هذا هو الدرس الإعلامي التركي للإعلام الانقلابي الجزائري، فهل يتعلّم هذا الإعلام معنى الاختلاف الإيديولوجي ومعنى الاتفاق والاصطفاف في خندق واحد من أجل الخيار الشعبي؟
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 5908
السلام عليكم
مشكور على المقال. هل بالإمكان التعرف على ردود أفعال جريدتي الخبر والوطن أثناء فترة الانقلاب ؟
شكرا