زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

الأحزاب في الجزائر: الوظيفة والأداء

الأحزاب في الجزائر: الوظيفة والأداء ح.م

يبدو لنا من الأهمية بمكان إعطاء تعريف لمفهوم الحزب لفهم الأحزاب في الجزائر ولمعرفة مدى تطابق طبيعتها ووظيفتها مع ما نجده لدى غيرها من الأحزاب في العالم، لاسيما الديمقراطية منها. ويعرف الحزب كمجموعة من الأشخاص يشتركون في الأفكار، ينتظمون في منظمة تهدف إلى نيل تزكية الشعب عن طريق الإقتراع من أجل الوصول إلى السلطة بغرض تنفيذ مشروع سياسي أو برنامج مشترك. و يمكن القول بصورة عامة أن هناك تعريفين لمفهوم الحزب، الأول ذو صبغة إيديولوجية يتطابق مع تعريف المفكر الفرنسي بينجامين كونستان Benjamin Constant بأنه " اجتماع رجال يدينون بنفس المذهب السياسي" و الثاني ذو بعد دستوري يقوم على تأكيد أهمية الحزب كعنصر أساسي في اللعبة الديمقراطية، إذ يرى في الأحزاب " شكلا سياسيا و بنية تنتظم من خلالها الديمقراطية".

احتكار الشرعية
ووجود الأحزاب في الجزائر ليس مرتبطا بمرحلة الإستقلال، فقد عرفت بلادنا إبان الحقبة الإستعمارية أحزابا جزائرية مثل نجم شمال إفريقيا، أول حزب جزائري بادر إلى المطالبة بالإستقلال و حزب الشعب الجزائري PPA والحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية MTLD. و بعد اندلاع حرب التحرير نشأت ” جبهة التحرير الوطني” التي انصهرت فيها مختلف الحساسيات السياسية و التي ستكون في نهاية المطاف النواة التي ستقوم عليها الأحادية الحزبية بعد الاستقلال ليستثمر من صار يسمى “الحزب العتيد” الشرعية الثورية لفائدته و خصوصا لفائدة نظام سياسي أحادي. و كان لتحول جبهة التحرير الوطني، و هي تاريخيا إرث مشترك لكل الجزائريين، إلى حزب يحتكر الشرعية الحزبية واحدا من الأسباب التي أدت إلى نشوب خلافات وصراعات بين فرقاء كانت تجمعهم في الأمس مظلة سياسية واحدة، مظلة جبهة التحرير الوطني نفسها، و بالتالي ظهور أحزاب جعلت الحياة الحزبية في الجزائر لا تنقسم إلى حزب حاكم و أخرى في المعارضة، كما في البلدان الديمقراطية، بل إلى حزب شرعي وحيد هو حزب جبهة التحرير الوطني و أخرى غير شرعية، تعمل في كنف السرية، كحزب جبهة القوى الإشتراكية FFS الذي أسسه حسين آيت أحمد و حزب الثورة الإشتركية PRS  الذي أسسه المرحوم بوضياف و غيرهما من الأحزاب المحظورة التي أسسها أعضاء سابقين في جبهة التحرير الوطني.
على أن احتكار حزب جبهة التحرير الوطني للشرعية الحزبية لا يعني أنه كان الحزب الحاكم بالفعل بعد الاستقلال. و الحقيقة أنه لم يحدث في الجزائر، و إلى اليوم، أن كانت السلطة في يد حزب أو في يد مجموعة من الأحزاب. و يرى الباحث عدي الهواري أن وظيفة الأحزاب الجزائرية و تبعيتها التاريخية تحددت منذ نشأة “الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية” بتنظيمها العسكري السري الذي كان يعد العدة للثورة والمعروف ب OS، الممثل للسلطة الفعلية داخل هذا الحزب. و يرى أن جبهة التحرير الوطني لم تكن الفاعل الأول حتى إبان الثورة كما يدل على ذلك مقتل عبان رمضان الذي حاول التأسيس لأولوية السياسي على العسكري في مؤمر الصومام. وقد استمرت، كما نعرف، هذه الوضعية بعد الاستقلال. على أن تحول حزب جبهة التحرير إلى مجرد واجهة حزبية للأحادية السياسية القائمة في البلاد و إلى الاقتصار على أداء الوظيفة الدعائية و الإيديولوجية و التعبوية للجماهير لصالح النظام الفعلي، متحولا هكذا من حركة تحررية تاريخيا إلى حزب خادم للسلطة بعد الاستقلال، أمر كان كافيا لكي يعامل معاملة الحزب الحاكم من طرف الجماهير و يحمل نتيجة لذلك تبعات المشاكل التي وقعت في البلاد طوال المرحلة الأحادية. و لهذا لم يكن مستغربا أن تتعرض مقرات ” الحزب العتيد” للتخريب أثناء انتفاضة أكتوبر 1988 التي أدت إلى التغيير في المشهد السياسي في الجزائر بعدما أفضت إلى الإصلاح الدستوري لعام 1989 الذي أدخل التعددية الحزبية في البلاد. و هكذا و بعد أن كان إرثا مشتركا لكل الجزائريين، الأمر الذي حدا بالبعض إلى دعوته إلى حل نفسه حفاظا على رمزيته لكونه يمثل الذاكرة المشتركة للجزائريين و نظرا لانتهاء مهمته التاريخية المتمثلة في تحرير البلاد، أصبح الFLN يمثل شريحة معينة من الجزائريين ليس غير و مغضوبا عليه من قبل قطاع واسع من الشعب. و قد ظهر ذلك جليا في أولى انتخابات تعددية جرت في الجزائر، عام 1989، التي لم يحصل فيها ” الحزب العتيد” سوى على المرتبة الثانية و ذلك بعيدا عن الحزب الفائز، الحزب الذي أصبح يعرف فيما بعد بالحزب المحل الذي وظف بدوره إرثا مشتركا بين الجزائريين يتمثل في الإسلام هذه المرة.

الأحادية الجديدة
على أن التعددية الحزبية التي أفضت إليها انتفاضة أكتوبر لم تسفر في الحقيقة عن إقامة نظام سياسي يكون فيه الحكم بين أيدي الحزب الفائز في الانتخابات وفق التعريف الذي سبق وأن قدمناه حول مفهوم الحزب. فكما كان الأمر في عهد الأحادية الحزبية، لم تكن الأحزاب السياسية في عهد التعددية مستقلة و سيدة مصيرها أوصورة للإرادة الشعبية التي يفرزها الصندوق. لقد أريد لها أن تلعب نفس الدور الذي لعبه الأفلان في عهد الأحادية و الذي صار يعجز عن القيام به بمفرده. و هذا ما حدث بالفعل، وهذه المرة في إطار تعددية شكلية هدفها إعطاء واجهة ديمقراطية للممارسة السياسية في البلاد. لهذا نجد أنه إذا كان الحزب الذي فاز سنة 1991 في أول انتخابات تعددية قد تم حله بعد ذلك، فليس فقط لأنه كان يحمل مشروعا إسلامويا أو ” ظلاميا”، بل أيضا و ربما بالأساس لأنه كان يحمل مواصفات حزب مستقل يسعى وراء تنفيذ برنامجه الخاص و بالتالي وراء ممارسة الحكم بالفعل مشكلا بذلك تهديدا حقيقيا لبنية النظام الذي قامت عليه ممارسة الحكم في البلاد منذ الاستقلال و القاضي بأن تكون وظيفة الحزب الواحد و بعده الأحزاب المتعددة في خدمة السلطة و ليس في خدمة المجتمع ناهيك بالسعي وراء ممارسة الحكم انطلاقا من الشرعية المؤسسة على الإرادة الشعبية المعبر عنها عن طريق صندوق الإقتراع. و الحقيقة أنه كما تمت معاقبة الحزب المحل، فقد تمت أيضا معاقبة الأفلان و تأديبه وإن بطريقة أخرى، لما حاول هو بوره الخروج عن الطوق في عهد عبد الحميد مهري،(1989- 1996)، حينما سعى إلى التحول إلى حزب مستقل خارجا عن قاعدة الخضوع و التبعية التي سار عليها منذ الاستقلال و التي كلفته فقدان مصداقيته التاريخية لدى المجتمع، فتمت الإطاحة بعبد الحميد مهري و تم اختراع حزب جديد يزاحم حزب الأفلان هو الرند الذي كلف بأداء الدور المنوط سابقا ” بالحزب العتيد”.
و كان يتم تعقيم التعددية و إعادة إنتاج أحادية غير معلنة و كذا ضمان استمرار دور التبعية التقليدي للأحزاب عن طريق التزوير و كذا نظام “الكوطات” الذي كان يتم من خلاله توزيع الريع على هذه الأحزاب المتعددة. و على الرغم من أن استخدام التزوير كأداة لإعادة إنتاج تبعية الأحزاب ما عادت تحتاج إلى دليل، إلا أنه لا بأس من الإشارة بهذا الصدد إلى تصريح صادر عن الناطق الرسمي للتجمع الوطني الديمقراطي RND أدلى به للقناة الإذاعية الأولى و نقلته إحدى الصحف الوطنية، يقول فيه ” لولا التزوير لما بقيت الجزائر واقفة” مقرا هكذا بما هو معروف لدى الجميع في الحقيقة. و الأحزاب إذ تتنكر لمهامها الأولى المتمثلة في التعبير عن الإرادة الشعبية و تحويلها إلى برنامج سياسي و اقتصادي و ثقافي تسعى إلى تجسيده من خلال الحكم، طبقا للتعريف الذي أعطيناه لمفهوم الحزب، لتتحول بدلا من ذلك إلى ما يشبه شركات تقديم خدمات إيديولوجية و سياسية، من قبيل التزكية في البرلمان أو التعبئة في الانتخابات الرئاسية و ما سواها أو مراقبة المجتمع وكبح غضبه، إنما تفعل ذلك بمقابل يتمثل في مقاعد برلمانية أو مناصب وزارية تحصل عليها. و النتيجة الناجمة عن كل ذلك هو افتقار الشعب لرافد سياسي يتمتع بالمصداقية يعبر عن همومه و تطلعاته وحدوث قطيعة بين المجتمع و الدولة و ركون المواطنين إلى العنف لإسماع صوتهم وانسداد أفق التغيير في البلاد.
و إذ كنا قد تحدثنا إلى حد الآن فقط عن ما يسميه عدي الهواري ” أحزاب الإدارة ” المتمثلة في ” الأفلان” و “الرند” و التي يمكن أن نضيف إليها أحزابا أخرى ذات صبغة “إسلاموية” أو “يسارية” فذلك لأن “المعارضة” في الحقيقة غير موجودة أو تكاد. فكلما بدا وأن هذه المعارضة بصدد اكتساب شيء من القوة و المصداقية و الإستقلالية، تعرضت للتفتيت في شكل صراعات داخلية تؤدي بها في النهاية إلى الضعف و التشرذم و بالتالي إلى عدم التأثير. هذا ماحدث مثلا مع “الأفافاس” الذي خرج من صلبه الأرسيدي أو ” الأفلان” الذي صنع له  “الأرندي” و ” النهضة” التي فرخت أكثر من حزب. هذا ما لم تكن بعض هذه الأحزاب، إلى جانب ذلك، تحمل ذاتيا سلاسل ثقيلة في صورة شبهة الجهوية التي تحد من تأثيرها وطنيا. هذا المشهد الحزبي العام يخول لنا الحديث عن تعددية غير ديمقراطية، لأن للتعددية لا تصنع الديمقراطية بصورة تلقائية، إذ يمكن أن ألا تكون في نهاية المطاف غير وجه آخر للأحادية، كما رأينا. فالديمقراطية تفترض وجود معارضة قوية و مستقلة تؤسس للتداول على السلطة. و قد يرى البعض في التعدد الإيديولوجي للخطابات الحزبية مظهرا من مظاهر التعددية، إذ هناك خطاب إسلامي و خطاب لائكي و خطاب يرتكز على ما يسمى بالثوابت الوطنية و هكذا، أو يرى فيه تعبيرا عن التعددية القائمة في المجتمع على صعيد الوضع الإجتماعي و القيم و التطلعات.  لكن الشيء الذي نلاحظه أن هذه التعددية الأيديولوجية التي تمثل أهم ما يفرق بين الأحزاب الجزائرية تقوم في أرض الواقع على ممارسة سياسية واحدة. لهذا وجدنا في مرحلة من المراحل حكومة واحدة تجمع بين اللائكيين و الإسلامويين و “حماة” الثوابت الوطنية وغيرهم. وعلى ما يبدو فإن استقطاب مختلف الأيديولوجيات الحزبية غرضه التحكم في هذه الحساسيات داخل المجتمع و الحيلولة دون تحولها إلى أداة من أدوات الاحتجاج و كذا الحيلولة دون وجود معارضة فعالة، و بالتالي دون وجود تعددية ديمقراطية و تداول على السلطة. و إلى جانب كل هذا، نلاحظ أن هذا التداول غير موجود  داخل الأحزاب نفسها. و لهذا نجد أن التغير لا يحدث على رأسها إلا بفعل ” انقلاب”، مدبر من الخارج أو غير مدبر. فالأحزاب في حد ذاتها صورة مصغرة لغياب ظاهرة التداول على مستويات أعلى.

الدرس الجزائري
هل تغير الوضع الحزبي العام بعد ” الإصلاحات” الأخيرة؟ يجب الإشارة أولا إلى أن هذه ” الإصلاحات” تبدو بالدرجة الأولى مسعى إلى محاولة التكيف مع المستجدات السياسية التي عرفتها الساحة العربية أكثر منه تعبيرا عن إرادة حقيقية في التغيير. و الواقع أنه ليست هذه أول مرة تحدث ” فيها إصلاحات ” غايتها التكيف مع المتغيرات، بل ثاني مرة. الأولى جاءت عقب مظاهرات أكتوبر 1988 و الثانية على إثر ما يعرف بالربيع العربي. و هذا التكيف يهدف في كل مرة إلى إحداث تغيير سطحي و تكتيكي يحافظ على بقاء أساسيات قواعد اللعبة السياسية على حالها. و أحد أبرز مظهر لهذا التكيف الجديد المسمى إصلاحات يتمثل في إطلاق سراح أحزاب كانت طلبات اعتمادها مجمدة منذ سنوات، أي توسيع “التعددية” إن جاز التعبير. غير أننا أوضحنا أن “التعددية” لا تعني الديمقراطية بالضرورة. و لعل هذه أهم نتيجة يمكن استخلاصها من الدرس السياسي الجزائري. و هناك شيء آخر فوق كل هذا لا يبعث على الأمل. ذلك أن الأحزاب، إلا من رحم ربك، تجسد كل التناقضات التي انتشرت في المجتمع الجزائري مثل الفساد و المحسوبية و الانتهازية و غير ذلك. و هذا بالطبع ما يحد من مصداقيتها و يحول دون أن تكون القدوة بالنسبة للمجتمع و دون أن تكون قادرة على رفع مستوى الوعي لدى المواطن و لدى الجماهير. الأحزاب لا تحمل مشاريع خلاص المجتمع و خلاص الجزائر، بل هي في الحقيقة أشبه ما تكون بتنظيمات تسعى وراء خلاص أعضائها. فالمال قد أفسد السياسة في الجزائر ككل و أفسد الأحزاب. و الحقيقة أنه ليس عيبا أن تكون للأحزاب مصالح لكن شرط أن تكون تعبيرا عن مصالح المجتمع ككل أو مع شريحة واسعة منه، لأن التعددية ألحزبية في نهاية المطاف و في ظروف عادية ليست غير صورة لتعقد المجتمع و انقسامه إلى فئات وطبقات لا تتوافق مصالحها بالضرورة. إلا أن مصلحة الأغلبية و المصلحة العامة و قبل كل شيء مصلحة الجزائر يجب أن تكون الهدف الأسمى بالنسبة للأحزاب جميعا. فإذا كان الإختلاف من الناحية الأيديولوجية و من حيث البرامج شيء طبيعي إلا أنه لا بد من وجود قاسم مشترك بينها جميعا يتمثل في الدفاع عن المصلحة العليا للبلاد و احترام قواعد اللعبة الديمقراطية. و إذا كانت ” البرامج” توحي بما يشبه هذا، إلا أن  الأمر ليس غير تجسيد للإنفصام المعهود في الخطاب السياسي الجزائري بين النظرية و التطبيق.و ما يمكن قوله في الأخير أن غياب أحزاب ذات مصداقية لا يشكل فقط عائقا في وجه الديمقاطية، بل عائقا حقيقيا في وجه التطور العام للبلاد.

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.