يعتزم الصحافيون في الجزائر إطلاق ما يسمونه "انتفاضة الكرامة" احتجاجا على واقع مهني واجتماعي موصوف بـ "المرير"، واستمرار افتقاد البلد لقانون ينظم مهنة "رجال المتاعب" هناك رغم انقضاء أكثر من نصف قرن على استقلال الجزائر. وشدّد كوكبة من الصحافيين تحدثوا لـ"إيلاف"، على حتمية تغيير سريع لأوضاعهم المتردية وحمل السلطات ومدراء المؤسسات الإعلامية على النظر بجدية في مشاكلهم الاجتماعية والمهنية المتدهورة.
الجزائر: يقول الصحافي الجزائري المعروف رياض بوخدشة إنّ نشوء مبادرة “انتفاضة الكرامة” أتى من أجل كرامة الصحافيين ودفاعا عن مهنتهم، ويلفت بوخدشة إلى أنّ الخطوة “العميقة في محتواها” على حد تعبيره، أتت كحلقة متمّمة من أجل تنظيم مهنة الصحافة.
ويتطلع عرّابو “انتفاضة الكرامة” إلى انتشار أكبر والتواصل مع أي عمل يبادر به عموم الصحافيين الجزائريين، في إحالة على التحركات التي بدأها من يُطلق عليهم “الصحافيون الأحرار” على شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك، وكذلك المساعي الواسعة التي بدأت عبر ولايات البلاد.
وعن التوقيت المحدد لتفجير “انتفاضة الكرامة”، يشير بوخدشة المؤيد للمبادرة، أنّه سيجري الإعلان عن الخطوة الحاسمة خلال أيام بعد استكمال الاستشارة الجارية على قدم وساق، ويوضح بوخدشة: “نعتمد على التحسيس واللقاءات المستمرة مع الفاعلين جميعاً، وقد تلقينا أصداء جد مشجعة وعلى قدر كبير من الاهتمام”.
وحول احتمال تأخر انتفاضة الصحافيين لفترة تبعا لاعتبارات متداخلة، يؤكد مهندسو المبادرة أنهم يتشبثون بعدم التسرع وتجنب الارتجال والتحلي بالهدوء، من منطلق قناعتهم بأنّ وضعية مهنة الصحافة في الجزائر بحاجة إلى نقاش عميق تؤطره الحكومة ويشارك فيه الصحافيون بالدرجة الأولى.
وعما إذا كانت المبادرة تقف وراءها جهات معينة، ينفي هؤلاء أن يكون لحراكهم صلة معينة بأي تنظيم، لكنهم يبدون ترحيبا بمشاركة النقابيين ونشطاء الساحة كافة بآرائهم، ويسجل بوخدشة أنّه جرى التوافق بين طاقم المبادرة على توسيع التفكير واتخاذ قرارات بشكل جماعي دون انفراد أو إقصاء.
ويحيل جمال زروق رئيس تحرير صحيفة “الشاب المستقل” الصادرة بالفرنسية، على مكابدات الصحافيين في بلاده لصنوف من المرارة، في ظل سياق مهني وطني يتسم بالتأجيل غير المبرر لإصدار قانون ممارسة المهنة الصحافية بمشاركة قوية للصحافيين.
ويعبّر زروق الذي أنفق ربع قرن في ميدان الإعلام، عن إجماع بين ناشطي مهنة المتاعب على أن السلطة الرابعة في الجزائر تتخبط في وضع اجتماعي بالغ التدهور، استفحل مع تراكمات السنين ما أوصل ظروف الصحافيين إلى مستوى يصعب تصديقه، ويتهّم قطاعا من ملاّك الجرائد بعدم استغلالهم هامش حرية التعبير الموجود، وتقزيمهم القضية في نطاق :”حرية التجارة بدل حرية التعبير”.
وفي خضم ما تقدّم، يتساءل أنيس بن مختار عن موقع الفيدرالية الوطنية للصحافيين (تأسست قبل سنتين) والتنظيم الثاني المسمى “النقابة الوطنية للصحافيين”، من كل ما يحدث، “فهل هما إطاران تمثيليان حقيقيان في ظلّ الخيبات المتتالية التي يتجرعها نشطاء المهنة منذ سنوات عديدة؟”.
ويبدي بن مختار جزعا إزاء ما سيؤول إليه حال الصحافة في بلد يفتقر إلى نقابة قوية تمثيلية تعنى بحماية الصحافيين وتدافع عن انشغالاتهم وتتبنى مشاكلهم، وفق لائحة مطلبية تعنى بتكريس الحقوق المادية والمعنوية للصحافي الجزائري، وترد الاعتبار لمهنة الصحافة في الجزائر وتمكين ممارسيها من تأدية رسالتهم على أحسن وجه.
ويرى المتتبعون للشأن الإعلامي الجزائري، أنّ انتفاضة الكرامة ستكون في مواجهة رهانات صعبة خصوصا وأنّ العديد من المحاولات السابقة فشلت في تحقيق المطالب الأساسية للصحافيين الجزائريين كطول انتظارهم لسن قانون أساسي خاص بهم وعدم نجاحهم في التخلص من قانون العقوبات المثير للجدل، على خلفية تجريمه كتابات الصحافي وتطبيق عقوبة الحبس تحت طائلة التهمة الجاهزة دوما (القذف)، ما جعل هامش الحرية يضيق بشكل لافت خلال السنوات الإثني عشرة الأخيرة.
ويشتكي كثير من الصحافيين من مشكلات بالجملة، جراء تمادي بعض ملاّك الجرائد في استخدام ألوان من التعسفات وتماديهم في هضم حقوق الصحافيين الأساسية كالتأمين والتهديد بالطرد وكذا الاستغلال الفاحش للصحافيين المتربصين.
وبعد انقضاء 21 عاما على تدشين التعددية الإعلامية في الجزائر، يجزم الصحافيون هناك، أنّ رياح من يسمونهم “أصحاب المصالح” تهدّد بـ”تدجين” الصحافة الجزائرية، مع بروز جملة من المؤشرات السلبية كظاهرة (البزنسة) التي تهبّ بقوة على المنظومة الإعلامية الجزائرية، وجعلتها عرضة لـ(ميوعة) قلبت وضعها رأسا على عقب في السنوات السبع الأخيرة التي شكّلت عنوانا كبيرا لإنحراف متعاظم.
ويقول الصديق يحياوي الصحافي في جريدة “اليوم” أنّ الخلفية باتت “تجارية” على طول الخط، حيث يشير إلى عدد من أصحاب المال و(التجار) اقتحموا الإعلام وعمدوا إلى شراء عناوين بغرض “خدمة مصالحهم”، وهي خطوة كارثية، طالما أنّ هؤلاء أتوا إلى قلعة الإعلام ليس من أجل الارتقاء به بل لـ”حماية مصالحهم”، ما يقتضي وثبة لتصحيح المسار.
وتشهد الجزائر حاليا طبع نحو 75 جريدة، لكنّ سحب هذه الجرائد لا يتجاوز الثلاثة ملايين على الأكثر، في وقت يقدّر عدد متصفحي الصحف بحوالي 24 مليونا شخص في مجتمع محلي قوامه 36 مليون نسمة، وهو ما يعني أنّ الساحة الإعلامية الجزائرية لا تزال بكرا، بينما لا يزال الإعلام الالكتروني محدودا ويفتقد إلى نص تشريعي.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.