يعجز البشر في التعايش السلمي، وإرساء التفاهم وروح الانسجام، ويركزون على الاختلافات دوما ولو كانت سطحية مما يخلق الطائفية والصراعات وحتى الحروب، في حين تحتضن الطبيعة حياة مشتركة للنقيضين فيبقيا على قناعة تامة أن كل ميسر لما خلق له، أين يتجاور الجليد والنار، ويتصاحب الليل والنهار، ويتحاور الشمس والقمر، ويتعادل الحر والقر.
إذ يمتد الظلام في موسم الشتاء إلى ساعات متقدمة من اليوم وقد لا يظهر النور حتى العاشرة صباحا ليختفي عند الثالثة زوالا، أما في الصيف فتظهر آية “شمس منتصف اللّيل” لتضيء ما حولها لمدة 24 ساعة وتحديدا في شهر تموز/ جويلية حيث تظل الإشراقة في كبد السماء ولا تبارح مكانها إلى أن يحين الرحيل وتحل جدولة تعليمات جديدة للشفق القطبي في عرض سماوي لا محدود، بألوان متلألئة مضيئة بإيحاءات متباينة لخيالات وأشكال وهمية لامعة.
بين خضرة الأرض وزرقة السماء وبياض الثلج، ترسم لوحات بألوان حية زاهية وتدرجات طبيعية متناسقة لتشكل أندر وأجمل المناظر.
هذا الوصف الخيالي حقيقة موجودة على كوكب الأرض وليست في بلاد العجائب ولا جزيرة من جزر رحلات السندباد، وتدعو الإنسان للتمعن والتفكر في صنع الواحد الأحد الذي وحد كل التناقضات من حر وبرد، صلب ومائع، علو وعمق في بقعة واحدة بإبداع وتصوير منقطع النظير، إنها دولة آيسلندا حيث ستحط الطائرة لتبدأ رحلة الاستكشاف والتدبر.
أكبر نسبة من سكان آيلسندا من أتباع الديانة المسيحية البروتستانتية، وتعد الكنيسة اللوثرية كنيسة وطنية، زيادة على وجود الإلحاد ونسبة قليلة جدا تدين بالإسلام تتمثل في الجالية الباكستانية والهندية والعربية المقيمة هناك.
دولة آيسلندا ما بين القارتين
آيسلندا جزيرة كبيرة تحتل المرتبة الثامنة عشر من حيث المساحة بين جزر العالم، تتواجد شمال المحيط الأطلسي إذ تقع على الصفيحتين الجيولوجيتين للقارتين الأوروبية والأمريكية، تقدر مساحتها بـ 101,826 كم2..
كانت آيسلندا في السابق مملكة وفي 17 يونيو/ حزيران 1944م أصبحت جمهورية رسميا، عاصمتها ريكيافيك وهي أكبر مدنها وأكثرها اكتظاظا، يبلغ تعداد سكانها 320,000 نسمة، لغتها الرسمية اللّغة الآيسلندية، وهي من اللغات الجرمانية الشمالية المنحدرة من الإسكندنافية القديمة، وتعتبر اللغة الانجليزية لغة رسمية ثانية، فضلا عن أن أغلب الآيسلنديين يجيدون التحدث باللغة الدنماركية.
أكبر نسبة من سكان آيلسندا من أتباع الديانة المسيحية البروتستانتية، وتعد الكنيسة اللوثرية كنيسة وطنية، زيادة على وجود الإلحاد ونسبة قليلة جدا تدين بالإسلام تتمثل في الجالية الباكستانية والهندية والعربية المقيمة هناك.
الدولة الآيسلندية من الدول المنضمة لمنطقة شنغن إلا أنها ليست عضوا في الإتحاد الأوروبي، لذلك فعملتها المحلية هي الكرونة، حيث: 1كرونة آيسلندية = 0,0064 يورو.
تنوع جيولوجي وثراء بيولوجي
جمعت آيسلندا كل مظاهر الطبيعية وباختلافات صارخة تتعايش جنبا إلى جنب، فمع الحمم البركانية والينابيع الحارة تسكن الشلالات الباردة والبحيرات المثلجة وكتل الجليد وتمتد حولها الأراضي الخضراء المغطاة بالطحالب.
فهي أكبر جزيرة بركانية في العالم ويصل عمق البراكين بها إلى أكثر من طبقتين أرضيتين بفجوات ممتلئة بالحمم البركانية والصهارة، ولذلك تتشكل السخانات والينابيع الحارة التي عادة ما تتحول إلى نافورات تنثر المياه الساخنة عاليا مع انبعاث رائحة الكبريت منها فأغلب مياههما غير صالحة للشرب.
وكإجراء احترازي تحاط الينابيع الساخنة بحبل عازل لوضع حدود أمنية وضمان سلامة الزوار، لأن تجاوز الحد والاقتراب من المنطقة المحظورة خطر جدا يتسبب في احتراق القدمين بمجرد الولوج، فحتى الأحذية سرعان ما تذوب بفعل الحرارة المرتفعة رغم وجود الجليد بالجوار.
الرحلة إلى آيسلندا لا تصل إلى خط النهاية لأنها تمتد بالشوق والإثارة، تتجدد بحب المغامرة والفضول فلا يجد الملل طريقا إليها، ولا يملك المعاين لهذه المناظر إلا قول ” سبحان الله الخالق المبدع”.
عندما يلتحم هذا الجليد المزرق مع الرماد البركاني الأسود يبرز وجه آخر لما فوق الواقع المرئي في تناسق مميز لإنعكاس الألوان على الأسطح الكرستالية.
ولا يمكن التجول داخل هذه الكهوف أو كما يطلق عليها المغارات البلورية إلا في فصل الشتاء، فهناك خطر الانهيارات صيفا.
هناك خبراء ودليل سياحي مؤهل للسير داخل هذه الكهوف، كما تبرمج رحلات سياحية على متن الطائرات العمودية (الهيليكوبتر) للتنقل إلى أنفاق الجليد ورؤيتها من الجو ومن ثمة النزول لاستكشاف مغاورها والتمتع بالتكوينات الناتجة عن تجمد خيوط الماء المتدفقة من الأعلى إلى الأسفل وعبر الجدران حيث تتشكل مناظر شبكية جميلة، ونظرا لوجود فقاعات الهواء داخل الجليد تنفذ أشعة الضوء من خلالها ليظهر اللون الأزرق اللامع وكأنه سهم لازوردي.
شلالات صاخبة
شلالات صاخبة وجذابة تشكلت بفعل التغير المستمر للمناخ فبعد هبوب العواصف الثلجية تشرق الشمس لتوفر بيئة ملائمة لرسم معالم جديدة للمياه المتدفقة من ذوبان الجليد.
شلال ديتيفوس: Dettifoss هو أكبر شلال في آيسلندا ويتواجد في شمال شرق البلاد.
شلال سلفوس: Selfoss تجري مياهه على ارتفاع 10 أمتار، ثم بعد كيلومتر واحد تظهر المياة فوق شلال ديتيفوس الذي يبلغ ارتفاعه 45 مترًا وبعد ذلك تتدفق المياه على ارتفاع 27 متر في هافراجيلفسفوس عبر حديقة جوكولسارغجور الوطنية وأخيراً عبر وادي أوسبيري.
شلال سالجالاندسفوس: Seljalandsfoss هذا الشلال لديه ميزة فريدة جدا حيث يمكنك أن تمر من خلاله وتستكشف المناظر من وراء الشلال.
شلال غولفوس: Gullfoss أو الشلالات الذهبية في جنوب آيسلندا وهو من أشهر الشلالات وأكثرها جذبا للزوار نظرا للمساحة الكبيرة التي يمتد عليها من علو 32 مترا، ويتكون من مستويين مما يصنع تدفق جميل للمياه ينشر ضوضاء عذبة تبعث الشعور بالقوة والارتياح في آن واحد.
عند انهمار المياه من القمة وتعامد أشعة الشمس عليه يتشكل قوس المطر بمنتهى الوضوح لامعا بألوانه الزاهية في منظر لا مثيل له في أي مكان آخر.
بحيرة “بلو لاغون”
غالبا ما تستغل المياه الساخنة لأغراض علاجية وسياحية، فعلى بعد 20 كم عن المطار يوجد منتجع الطاقة الحرارية الأرضية ” بحيرة بلو لاغون” أو “البحيرة الزرقاء” كما يسميها السكان، وتتميز بمياه بزرقاء مبيضة ساخنة ما بين 37 و39 درجة مئوية، تحتوي على مادة السيليكا (ثنائي أكسيد السيليكون) والكبريت وبعض الأملاح الموجودة في الطبقات الجيولوجية الأرضية ومما يكسبها خصائص علاجية.
في عام 1976 أنشئ الحمام الساخن في مكان تصريف مياه محطة حرارة أرضية أنشئت لتوليد الكهرباء.
وفي عام 1981 بدأ الناس يتهافتون على البحيرة للراحة الاستجمام والسباحة، وطلبا للعلاج خصوصا بعد تداول خبر الشفاء من الأمراض الجلدية وتحديدا الصدفية
تم تأسيس شركة بلو لاغون عام 1992 لاستقبال الزوار من سكان محليين والسياح.
وقد أصدرت وزارة الصحة الأيسلندية تعليمات عن الطهارة الجسدية يجب الالتزام بها قبل النزول إلى مياه البحيرة.
زاد دي زادzoom
السياحة الآيسلندية
تستقطب الطبيعية الخلابة في آيسلندا السياح الذين كثيرا ما يقصدون المضايق الغربية للتمتع بالمناظر ومشاهدة المياه النقية الجارية في الأعالي، فعبر الصحاري البركانية السوداء والتلال البرية الخضراء والينابيع الحارة والمساحات الجليدية ليمكن الوصول إلى قمة الجبل الثلجي.
ونظرا لصعوبة الوصول إلى بعض المناطق فقد تم تخصيص سيارات ذات دفع رباعي لعبور المساحات الوعرة وسط الطبيعة العذراء.
ولمحبي الحياة البرية هناك إمكانية للتخييم وقضاء ليلة في العراء أو داخل أكواخ المبنية في المرتفعات والمجهزة لاستقبال الزوار، ومنها ما يعبر عن التقاليد المعمارية القديمة مثل منزل العشب المصمم حسب ثقافة المجتمع الأصلي.
أما لهواة الرياضة فيمكن ممارسة المشي لمسافات طويلة والجري وركوب الدراجات النارية أو التزلج على المنحدرات وحتى الاستحمام في الينابيع الساخنة وسط الهواء الطلق.
ويشكل المنتزه البري ثينغفيلير أفضل المعالم السياحية في آيسلندا لما لموقعه من أهمية تاريخية وثقافية وجيولوجيةّ، حيث يحتوي على عدد من البحيرات والشلالات وأخدود سيلفرا بأنقى مياه في العالم.
في مشهد مثير يسبح البط بكل حرية وأمان في بحيرة يتشارك نصفها المتجمد مع الزوار الذين يستمتعون بالمشي على السطح الجليدي الذي سيذوب بحلول الصيف.
الحياة المدنية في مشهد ريفي مزخرف
ريكيافيك عاصمة زاوجت بين الحداثة والأصالة، وجمعت بين الطابع الريفي والحضري، أين تتصادق الآثار القديمة للحياة البدائية مع التكنولوجيا الرقمية مشكلة مدينة فريدة بثقافة عريقة مستجدة.
تتزين معظم الشوارع بمنازل متباينة الألوان وبتصاميم مختلفة لأشكال هندسية متنوعة، كما تتوزع في جميع أنحاء المدينة مجموعة من المقاهي والمطاعم المجهزة والساحات العمومية المزينة لتظهر وكأنها مدينة ألعاب للأطفال.
لا يوجد ازدحام مروري ولا تلوث بيئي خانق، فالشوارع واسعة ونظيفة والأجواء هادئة تلطفها نسائم الهواء العليل وألوان الطبيعة البديعة.
ميناء المدينة مصمم وفق تصميم حديث بمختلف التجهيزات الضرورية للزوار والمهنيين سيما منهم الصيادين والصناعيين في مجال الصيد البحري فبه مصائد للأسماك لما للصيد من أهمية في الاقتصاد المحلي.
ويعد الميناء نقطة انطلاق في رحلات بحرية للنزهة والترفيه، إذ يمكن مشاهدة القوارب العصرية واليخوت الفخمة راسية به.
زاد دي زادzoom
صروح علمية ومعالم ثقافية
توجد في ريكيافييك جامعة بحث عامة تأسست عام 1911م، كانت في البدء مدرسة صغيرة لموظفي الخدمة المدنية وسرعان ما تحولت إلى جامعة تضم ما يقارب 200 مدرسة شريكة. يبلغ عدد الطلاب في الجامعة حوالي 3500، وبها هيئة تدريس دولية منبثقة عن 23 دولة، وبها طلاب من جميع أنحاء العالم في مختلف التخصصات مثل العلوم والهندسة وعلوم الكمبيوتر والأعمال والقانون والطب.
نالت الجامعة عدة جوائز منها جائزة كورزويل للتميز البحثي في مجال الذكاء الاصطناعي.
أما إحدى أكبر البنات العصرية الراقية فهي منشأة أعدت خصيصا لاستضافة الأحداث الخاصة بمرافقها المجهزة بأحدث الوسائل الحديثة وقاعات واسعة لاحتضان المؤتمرات والاجتماعات وكذا استضافة المعارض والتفاعلات الثقافية أخرى.
إذ توفر دار الأبرا الوطنية Harpa هياكل تنظيمية ونصائح المختصين والخبراء لضمان نجاح فعاليات مختلف الأنشطة، مع توفير الخدمات منها تقديم وجبات من المطبخ الآيسلندي التقليدي بطريقة مبتكرة.
المطبخ الآيسلندي
تمتد جذور الثقافة الآيسلندية إلى التقاليد الإسكندنافية لشعب الفايكينغ الذي يعتمد أساسا على الاستقلالية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وهذا ما يظهر جليا في وصفات الطبخ الآيسلندي الذي يتشكل عادة من الأسماك، لحم الضأن، الحليب ومشتقاته، وكذا الخضار الطازجة.
أهم الأطباق التقليدية تحتوي على المخلوقات البحرية التي يتم صيدها، مثل سمك القرش، السلمون، والروبيان وسمك القد.
هناك عدة طرق لحفظ الطعام في آيسلندا أشهرها التمليح حيث تمرر الأسماك داخل كمية كبيرة من الملح وتترك لتجف تحت أشعة الشمس والهواء، وعند الحاجة لاستعماله ينقع في الماء الفاتر لمدة معينة حتى يتخلص من الملوحة الزائدة ليتم طهيه وتضاف إليه الأعشاب والنكهات حسب الأذواق.
لكن هذا لم يمنع من تواجد عدة مطاعم تقدم أطباقا عالمية توافق ثقافات باقي الشعوب.
الجالية المسلمة في آيسلندا وأطول مدة صوم
تشكل الجالية العربية في آيسلندا نسبة ضئيلة ومن جنسيات مختلفة لبنانية، سورية، فلسطينية، جزائرية ومغربية، أما نسبة المسلمين فهي 0.3%، ووفقاً لمركز بيو للأبحاث الأمريكي فإن العدد الكلي للمسلمين في آيسلندا حوالي 10 آلاف شخص.
تشكل الجالية العربية في آيسلندا نسبة ضئيلة ومن جنسيات مختلفة لبنانية، سورية، فلسطينية، جزائرية ومغربية، أما نسبة المسلمين فهي 0.3%، ووفقاً لمركز بيو للأبحاث الأمريكي فإن العدد الكلي للمسلمين في آيسلندا حوالي 10 آلاف شخص.
تأسست جمعية مسلمي آيسلندا في عام 1997 علي يد سلمان تميمي وهو مهاجر فلسطيني وتم الاعتراف بها رسمياً في الـ25 من فبراير/ شباط 2010 والتي تدير مسجد بريكيافيك للسنة.
وقد تم بناء وافتتاح أول مسجد في العاصمة ريكيافيك عام 2002 وسمي بمسجد النور من قبل جمعية آيسلندا الإسلامية بعد طلبها من حكومة المدينة للحصول على إذن لبناء المسجد في عام 2000 وأداء الفروض الدينية بكل حرية.
وتعتبر مدة الصيام في آيسلندا أطول فترات للصيام في العالم، حيث تغرب الشمس عند منتصف الليل وتعود بعد ساعتين خلال الذروة بفصل الصيف، وقد وصل الإمساك عام 2018 إلي 21 ساعة و51 دقيقة، ولكن المسلمون هناك تمسكوا بهذا الفرض وقاموا به على أكمل وجه وأحيوا كل مظاهر الشهر الفضيل.
إذ تتحول مساجد ريكيافيك إلى موائد إفطار حيث يتجمع المسلمين من شتى أنحاء المدينة.
من بين الأماكن الشهيرة التي يجتمع المسلمون فيها مقر وقف آيسلندا الإسلامي، الذي يستخدم أيضا مسجدا يحتضن مسلمين قاطنين في البلاد منذ فترة طويلة، إلى جانب اللاجئين المتوافدين حديثا.
وقد أنشأ المسلمون عدة مرافق خاصة بهم مثل المطاعم التي تقدم وجبات توافق التقاليد العربية والنظم الإسلامية، أشهرها المطعم المغربي الذي يقدم الأطباق الحلال.
الرحلة إلى آيسلندا لا تصل إلى خط النهاية لأنها تمتد بالشوق والإثارة، تتجدد بحب المغامرة والفضول فلا يجد الملل طريقا إليها، ولا يملك المعاين لهذه المناظر إلا قول ” سبحان الله الخالق المبدع”.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.